لبنان الرسمي مع لابيد ضد نتنياهو في “تهريبة” الترسيم

لبنان الكبير

فيما شهدت الساحة السياسية ركوداً وهدوءاً في عطلة عيد المولد النبوي الشريف، سجلت وزارة الصحة ارتفاعاً في عدد الاصابات بالكوليرا ما استدعى توزيع منشورات التوعية من الوباء إضافة إلى إستنفار المستشفيات بكوادرها الطبية لمواجهته في حال انتشاره، وترافق ذلك مع تحذير وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض من تفشٍ سريع للكوليرا ما يتطلب التعجيل في إيجاد الحلول لمشكلات مصادر المياه.

تخوف طبي من تفشي وباء معد، لكن المسؤولين مطمئنو البال الى تفشي وباء تعطيلهم وكيدياتهم وسياساتهم الخاطئة ومحاصصاتهم لأنهم يدركون أنه باتت لدى اللبنانيين مناعة قوية على كل أنواع الأوبئة والفيروسات السياسية، وهم يتصرفون ببرودة تامة تجاه كل الاستحقاقات الدستورية والملفات الكبرى وكأن البلد بألف خير، ويكتفون بالتحذيرات وتقاذف المسؤوليات، وتوزيع المنشورات التي كتب عليها: لا داعي للهلع حتى لو أصبحتم في سابع جهنم.

في الملفات والاستحقاقات الداهمة، استحوذ ملف الترسيم البحري في الأيام القليلة الماضية على اهتمام المسؤولين بحيث تراجعت أمامه الاستحقاقات الأخرى، اذ أمل رئيس الجمهورية ميشال عون “انجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين شوطاً متقدماً، وتقلصت الفجوات التي تم التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي”.

وكان الترسيم الذي تعرض لانتكاسة الأسبوع الماضي بسبب التصعيد الاسرائيلي على خلفية الملاحظات اللبنانية على مسودة الوسيط الأميركي، عاد الى دائرة الايجابية والتفاؤل الحذر بعد المشاورات الكثيفة والنقاشات الطويلة المتبادلة بين الجهات اللبنانية المعنية وهوكشتاين الذي نجح في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وإدخال تعديلات لفظية على المسودة الأخيرة. وأجمعت مختلف الآراء في لبنان على أن التصعيد الاسرائيلي ليس سوى أداة من أدوات الحملة الانتخابية بحيث أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد يتعرض الى أعنف مواجهة مع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي يتهمه بالاستسلام لـ “حزب الله” في مسألة الترسيم، ما دفعه الى استخدام أساليب عدة لقطع الطريق على مزايدات نتنياهو منها التصعيد الكلامي وبدء الضخ التجريبي من حقل “كاريش” مع العلم أن هوكشتاين كان قد أبلغ المسؤولين في لبنان سابقاً أن لابيد تحت الضغط، ومن المستحسن الابتعاد عن التصريحات التي تعقّد الأمور، وهذا ما كرره على مسامعهم مؤخراً، اذ لاحظ المراقبون التزام الجهات المعنية بالصمت وعدم التصريح أو التعليق على ما يجري أو أقله عدم ضخ المواقف الاستفزازية والتصعيدية.

وإذا كانت نهاية الأسبوع قد شهدت حركة نقاش مكوكية حول التعديلات اللفظية، فقد استمرت بالأمس الاتصالات بين نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وهوكشتاين حول الصيغة النهائية لاتفاق الترسيم التي من المتوقع أن تبقى سرية الى حين يوقع عليها الطرفان.

ولفت أحد المتابعين الى عدم جدية الطرفين اللبناني والاسرائيلي في التعاطي مع ملف الترسيم، اذ لا في اسرائيل عرض على الكنيست ولا في لبنان عرض على البرلمان. ليس بهذه الطريقة تتم الاتفاقات بين الدول وكأنها تهريبة. في حال حصل الترسيم قبل نهاية العهد الحالي لن يكون انتصاراً انما عار، ويعد خيانة عظمى بسبب التنازل عن حقوق لبنان المتمثلة بالخط 29. وعلى الرغم من هذا التنازل، لا يمكن الغاء العقوبات عن جبران باسيل. التوقيع اذا تم ليس رسمياً انما بمثابة تبادل رسائل بين الدولتين لأنه لم يتوج بقانون لا في الكنيست ولا في البرلمان ما يعني أن أي طرف يريد الاعتراض عليه يمكنه ذلك حتى لو أودع الأمم المتحدة.

وفيما يختلف المراقبون بين من يعتبر أن توقيع الترسيم بات قريباً خلال العهد الحالي، وآخرون يرون أنه لن يحصل قبل تشرين الثاني المقبل، أشار أحد الخبراء الى أننا نفتقر الى المعطيات الدقيقة، لكن يبدو أن التعديلات اللفظية لم تكن معقدة لأن حلحلتها تمت خلال يومين. وما نعرفه أن الاختلاف الأساس حول حقل قانا وترتيباته المالية كما خط الطفافات الذي حددته اسرائيل، وهو الاأم بالنسبة اليها لأن المنطقة أمنية.

أما على جبهة الملف الحكومي، فيبدو أن فرص التأليف تتضاءل كل يوم أكثر بحيث أكد مصدر معني بالتشكيل لموقع “لبنان الكبير” أنه لا يمكن القول ان أبواب التشكيل أقفلت انما أصبحت ولادة حكومة جديدة أكثر صعوبة نتيجة كمية المطالب ونوعيتها، كما أن عامل الوقت بات ضاغطاً قبل الدخول في مهلة الأيام العشرة الأخيرة من نهاية ولاية العهد حيث يتحول البرلمان الى هيئة ناخبة، ولا يمكنه اعطاء الثقة للحكومة في حال تشكلت، لكن الجهود مستمرة في الكواليس في هذا الاطار، ويبقى بصيص الأمل ضئيلاً بنجاح الوساطات القائمة في خرق جدار التعطيل. وعلى الرغم من أن ملف التشكيل ليس مرتبطاً بملف الترسيم الا أن من الطبيعي أن يتحول الاهتمام الأكبر الى الترسيم.

أما أحد الناشطين والمحللين، فأكد أن النائب جبران باسيل يعرف تماماً ما يقوم به. فهو في حال تشكلت الحكومة، ولم يحصل على الحصة التي يريدها يعني أنها نهايته في السياسة، لذلك يطلب مطالب تعجيزية من خلال 6 وزراء لا ينتمون الى “التيار الوطني الحر” فقط انما يمون عليهم هو شخصياً. ليس هناك من امكان لتشكيل حكومة خلال العهد الحالي على الرغم من أن “حزب الله” يسعى الى ذلك، لكنه في الوقت نفسه لن يتمكن من اقناع باسيل بالتراجع لأنه يعتبر أن مطالبه محقة. والرئيس ميقاتي غير نبيه بري يؤيده في ذلك، وبالتالي، لا حكومة جديدة. وكان واضحاً باسيل في كلامه الأخير بأن المواجهة مفتوحة مع ميقاتي، وبالتالي، لا يمكن التشكيل مع شخص اتخذ قرار مسبق بمواجهته. لو يتمتع المسؤولون بحد أدنى من المسؤولية، لكنا قلنا انهم سينزلون عن الشجرة في ربع الساعة الأخير، لكنهم لا يعملون بالسياسة انما بالمحاصصة. وهنا نسأل: لماذا التركيز على تشكيل الحكومة قبل أيام من نهاية العهد؟ من الطبيعي أن تتشكل الحكومة بعد انتخاب رئيس الجمهورية. ما هذا المنطق السائد اليوم بأن نشكل حكومة كي لا ننتخب رئيساً للجمهورية؟ يجب أن تحصل الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها ان كان التأليف أو انتخاب الرئيس. نحن ذاهبون الى فراغين: الرئاسي والحكومي، وتبقى الحكومة الحالية لتسيّر الاعمال، واذا كانوا غير مقتنعين بذلك، فلينتخبوا رئيساً للجمهورية ثم تشكل حكومة جديدة. أما التعويل على مخرج دولي أو حوار في احدى العواصم الأوروبية فليس في محله خصوصاً أن اهتمام الدول اليوم بأمن الطاقة العالمية، ولبنان ليس ضمن أولويات أي دولة خصوصاً الأوروبية منها حتى لو كان هناك نوع من صداقة مع بعضها، لكن على لبنان أن يساعد نفسه قبل انتظار المساعدة من الخارج.

وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، فالتخبط سيد الموقف اذ لا جديد ايجابي يبشر بإمكان التوافق على اسم معين لا بل على العكس، فإن الهوة تزداد بين صفوف المعارضة، فالتغييريون لديهم أسماؤهم الخاصة فيما القوى الحزبية التقليدية مثل “القوات” و”الكتائب” و”اللقاء الديموقراطي” وكتلة “التجدد” سيسمّون النائب ميشال معوض في الجلسة بعد غد الخميس، فيما يرجح النواب السنة أن يبقوا على خيارهم في التصويت لصالح “لبنان”. أما قوى الموالاة، فهي أيضا تعاني من التشرذم في الاستحقاق الرئاسي في ظل الحديث عن امكان جمع النائب جبران باسيل والنائب السابق سليمان فرنجية عند الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، لكن لا شيء مؤكد حتى الساعة ما يعني أن الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس ستتكرر في توقيت مختلف لكن بالنتيجة نفسها: لا رئيس جديد للجمهورية أقله في المهلة الدستورية.

وفي السياق، رأى أحد المراقبين أن ليس هناك من رغبة سياسية في السماح لعمل المؤسسات الدستورية بصورة منتظمة لأن الطبقة الحاكمة تريد أن تربح كل شيء، وهذا المعيار في السياسة خطير خصوصاً اذا كان يتعلق بفراغ دستوري. كل الأطراف غير مستعدة للتنازل، ولا تستوعب أن ايصال رئيس جمهورية حسب ارادة هذا الفريق أو ذاك ليس نهاية العملية السياسية. “حزب الله” لن يرضى بعد الرئيس ميشال عون بأي شخصية لا تؤمن الغطاء الشرعي لسلاحه. والأطراف الاخرى أو السياديون ليسوا جديين في مواجهة الحزب، ويعتبرون أن الرئيس نبيه بري حليف لهم. اما التغييريون، فأثبتوا أن لديهم نوعاً من الطفولة السياسية في مقاربة الملف الرئاسي كما في سائر الملفات الأخرى بحيث لم يتمكنوا من التوافق حتى في ما بينهم، ويقترحون أسماء للرئاسة غير جدية. التغييريون مقتنعون بأن وحدتهم أهم من العمل السياسي، وهم لا يتشابهون، ولديهم أولويات مختلفة، لكن من أجل وحدتهم يتنازلون عن الفكرة الأساسية في العمل السياسي الذي يقتضي التشبيك السياسي الصحيح حتى لو كانوا لا يتفقون مع الأفرقاء الآخرين في المعارضة، مع العلم أن مواقف بعض النواب غير واضحة من “حزب الله”. وضع التغييريون أنفسهم خارج المعادلة بعد الجلسة الأولى لانتخاب الرئيس، وبرهنوا عن مراهقة سياسية في مقاربة الاستحقاقات الدستورية، ويتصرفون كناشطين وليس كسياسيين ونواب في البرلمان. العمل السياسي يقتضي الجلوس مع الطرف الآخر في حين أنهم يعتبرون أنفسهم خارج هذا البازار، وفي الوقت عينه يلعبون لعبة البازار السخيفة. وأتت مبادرتهم خفيفة وضبابية وعامة. هناك من بينهم من يؤيد النائب ميشال معوض، لكنهم لا يزالون عالقين في فكرة الوحدة. التغييريون في وضع سيء، ويتصرفون بنوع من عدم الجدية، لكن هذا لا يعني أنهم فشلوا، والمفروض أن يقف الشعب أمامهم وليس ورءاهم للوصول الى التغيير من خلال الضغط عليهم في الشارع. ويجب أن يعلم التغييريون أنهم خيّبوا الآمال، وفي الانتخابات المقبلة ستكون المحاسبة. كل ما نراه على الصعيد الرئاسي اضاعة للوقت، والرئيس بري من خلال دعوته الى جلسات انتخابية يرمي الكرة في ملعب الآخرين كي لا يتهم بالتعطيل والعرقلة، والطرف الآخر يفشل. في المحصلة، هناك غياب للمبادرة الجدية في انتخاب رئيس للجمهورية.

شارك المقال