هل يُشوّه “النّار بالنّار” صورة الاسلام؟

غيدا كنيعو
غيدا كنيعو

شارف شهر رمضان المبارك على الانتهاء، حاملاً معه أيضاً نهايات لمسلسلات عُرضت يومياً خلاله. تعدّدت الشّخصيات، وتنوّعت القضايا، منها الّتي استُهلكت بصورة كبيرٍة، ومنها قضايا يومية يُعاني منها المواطنون.

هذه السنة، أثار مسلسل “النّار بالنّار” جدلاً واسعاً، فقد تطرّق الى قضايا حسّاسة، وقسم المشاهدين بين من رأى أنّه يدعو الى الفتنة والتّعصّب، ومن اعتبر أنّ معالجة قضّية اللاجئين السوريين في لبنان، والغوص في ماضي الكراهية هو أمرٌ طبيعيّ، فلا يمكننا الاختباء وراء اصبعنا.

ولكن في هذا المسلسل تحديداً، ومع تقدّم الأحداث، نرى قصصاً ثانوية تخلق جدالاً أيضاً. فلكلّ شخصية في هذا الحيّ حكاية، ولا سيما حكاية “زكريا” التي تضع علامات استفهام حول وجودها في المسلسل.

المسلم المتطرّف الارهابي

يلعب الممثّل طوني عيسى في المسلسل شخصية “زكريا” الذّي سكن في الحيّ جديداً، ووراءه شبكة تنظيمية إسلامية مُتشدّدة، ارهابية، هدفها اخلاء الحيّ من أهله لاستخدامه في مشاريع تخدم أهدافها.

نرى شخصية “زكريا” مُستفزّة، فهو المسلمُ المُتديّن الّذي ينتقد الجميع وينظر اليهم كـ “كُفّار” و”ضاليّن”. وهو لا يعكس صورة المسلم الحقيقية، لأنه حاقدٌ على كلّ شخصٍ غير متدين، يتدخّل في حياة الأشخاص، يفتعل المشكلات باستمرار ومُستعدٌ للقتل.

ففي أحد المشاهد طلب “زكريا” من جماعته جلد “عزيز” (جورج خباز) لمعاقبته، بالطّريقة التّي يعتبرها شرعية وتُمثّل تعاليم الدّين الاسلامي، وهنا تكمن المشكلة؛ فزج شخصية كهذه في المسلسل يخلق امتعاضاً لدى الكثيرين، اذ يتسبب ربما بانتقاد الاسلام من خلال هذه الشّخصية الّتي لا تمتُ الى الاسلام المُعتدل بصلة، بل يُعيد فتح موضوع المُنظّمات الارهابية وعلاقتها بالاسلام.

حقوق المرأة المسلمة الضائعة

بعيداً عن حياة “زكريا” المهنية والتنظيمية، هناك حياته الخاصّة، فهو متزوّج من فتاةٍ مُحجبّة تبلغ من العمر بالكاد ١٥ سنة. حرمها من طفولتها، دراستها وحياتها الاجتماعية، فأصبحت سجينة منزلٍ، تُطيع زوجها وتُنجب له أولاداً. في المسلسل نرى المقارنة بين حياة هذه الفتاة كزوجة مُجبرة على النضوج وحياتها كطفلة لا تزال تعيش طفولتها، اذ تجلسُ وتُشاهد الرّسوم المتحرّكة وهي حامل. الصورة مُستفزّة من الخارج، فنرى أهلها راضين بزواجها لأنهم يُطبّقون تعاليم الدّين، وهم مُجرّدون من الانسانيّة والعواطف، لم يتقبّلوا رغبتها في الطّلاق والعودة الى طفولتها، بل يمدحون الزّوج فهو “سترها”.

وفي المسلسل مشاهد يدعو فيها “زكريا” زوجته الى ترك الرّسوم المُتحرّكة ومشاهدة فيديوهات عن تعاليم المرأة الصّالحة، ويُجبرها على حفظها وتسمعيها.

بعد هرب الفتاة، يتزوّج “زكريا” بفتاة صغيرة أخرى، نراهما في السّجن مع والدها بغية كتب كتابه عليها، رآها للمرة الأولى عند الزوّاج، وعند الخروج من السّجن والعودة الى المنزل، تُجيبه الفتاة في كلّ مرّة يطلب منها طلباً بـ”سمعاً وطاعةً”.

هذه المشاهد تخلق لدى المشاهدين ولا سيما غير الملمّين بالدّين الإسلامي كراهيّة، بسبب الاستغلال الحاصل للأطفال والعُنف الّذي يحصل باسم الدّين.

ما الهدفُ من زجّ شخصية مثل “زكريا” في مسلسل يُعالج بصورته الكبيرة العنصرية القائمة والنزاعات السّورية – اللّبنانية؟ ربمّا الاجابة هي أنّ أشخاصاً كهؤلاء لا يزالون موجودين بيننا، وتسليط الضّوء على معاناة الفتيات القاصرات المُتزّوجات باسم العادات والدّين. لكّن هذه الاجابة غير صالحة هنا، فكُلّنا نعلم أن هذه الشخصيات موجودة ربمّا في مناطق نائية، بعيدة، ولن تُشاهد أصلاً المسلسل، فلماذا إيصال صورة بشعة عن الدّين الاسلامي والتّي إن كانت تُمثّل بعض الأشخاص، فالغالبية تُعارضها؟

شارك المقال