لم يكد ينتهي الجدل حول مسلسل “سفاح الجيزة” الذي انتهى عرضه مؤخراً على منصة “شاهد في اب بي”، وما رافقه من انتقادات لمحاولة تلميع صورة القاتل وإظهاره بصورة مريض نفسي، حتى بدأ عرض مسلسل “حدث بالفعل” على منصة “جوي”، وهو عبارة عن سلسلة حكايا مأخوذة من قصص حقيقية لجرائم مرتبطة بمشكلات نفسية كما جرت العادة مؤخراً في مسلسلات الجريمة والغموض.
القصة الأولى من العمل كانت بعنوان “تحت الحزام”، مؤلفة من 3 حلقات وبطولة الفنانة المصرية غادة عبد الرازق وخالد أنور وسلمى بو ضيف، ومأخوذة من قصة حقيقية وقعت في الأردن لعلاقة مرضية بين أم ووحيدها الذي تغار عليه من خطبيته وهي تعمل في الأصل طبيبة نفسية فتقوم بخطف عروسه ليلة زفافه.
https://x.com/jawwytv/status/1704480637984371022?s=20
هذا العمل “القصير جداً” شكل عودة قوية لغادة عبد الرازق الى الدراما بعد تراجعها لأكثر من أربع سنوات في دراما رمضان، وعدم استطاعتها المنافسة في الموسم الأكثر “ازدحاماً” حيث قدمت مسلسل “ثلت الثلاثة” في رمضان الماضي ولم يكتب له النجاج أو الانتشار المتوقع.
العمل على الرغم من أنه مؤلف من ثلاث حلقات فقط الا أنه غني بالأحداث والتطورات المثيرة التي تجذب المشاهد، مع الأخذ في الاعتبار أن الأعمال المأخوذة من قصص حقيقية تشكل دائماً عامل جذب واثارة للمشاهد، وبدت غادة عبد الرازق في الحكاية قريبة جداً من شخصيتها في مسلسل “حكاية حياة”، فهي مقنعة لدرجة التعاطف معها ومع “إجرامها” وعلاقتها الأنانية والمرضية بابنها الوحيد، ويشهد لها قدرتها العالية على تجسيد شخصية المريض النفسي، والتي يبدو أنها أصبحت تروق لها منذ أن قدمت مسلسل “حكاية حياة” عام 2013 وجسدت فيه دور سيدة مصابة بانفصام في الشخصية، لتصبح بعد هذا العمل “سيدة الأدوار النفسية المعقدة” وبتفوق كبير.
الحلقتان الأولى والثانية من الحكاية جاءتا شيقتين ومتماسكتين من ناحية السرد والحبكة الدرامية والحوار والأداء، وخصوصاً الممثلة الشابة سلمى أبو ضيف التي ظهر تطور لافت وملحوظ على أدائها وطريقة نطقها للحروف اذ أصبحت المخارج واضحة لديها، لكن يوخذ على العمل نهاية الحلقة الثالثة التي نسفت متعة المشاهدة وأفقدت العمل زخمه، اذ جاءت ضعيفة درامياً، وغير مقنعة وتحديداً لناحية تصرف ليلى صديقة أميرة التي اكتشفت أن هاتف صديقتها موجود مع غادة عبد الرازق “عليا”، وبدلاً من ابلاغ الشرطة بذلك تصرفت بطريقة ساذجة وغير مقنعة أدت الى قتلها وصديقتها. اما الجدل الأكبر فكان لناحية مصير عليا التي قتلت ليلى وأميرة بعد اكتشاف أمرها، ثم عودتها لتكمل حياتها بعد ست سنوات بصورة طبيعية من دون أن تنال أي عقاب، وخصوصاً أن القصة كما ذكر حقيقية، وهذا ما طرح تساؤلات كثيرة حول مصير القاتلة الحقيقية في القصة، وكيف لم يقبص عليها أو تسجن، اضافة الى أن أحداث القصة اذا كانت كما عرضت فكيف تمت معرفة هذه التفاصيل؟
هذه الجريمة التي مرت من دون عقاب، فتحت الجدل حول الهدف من تقديم نماذج لقتلة تبرر جرائمهم بالمرض النفسي والماضي القاسي والعنف الأسري، وخصوصاً مع تشابه النهاية المفتوحة والغامضة لـ “تحت الحزام” مع نهاية مسلسل “سفاح الجيزة”، وإن كان البعض ذكر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن هذه الحادثة عندما وقعت في الأردن لم تكن عقوبة الاعدام مشرّعة، فحكم على القاتلة بالسجن المؤبد من دون وجود أي تفاصيل أخرى عن الحادثة الحقيقية، بينما برر كاتب العمل فادي النجار بأن الهدف من العمل تسليط الضوء على المرض النفسي وأن بقية الحكايا تحمل أيضاً نهايات غير متوقعة وصادمة.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=2730051630468917&set=a.301357013338403
وقوع “جرائم من دون عقاب” قدمت كثيراً في السينما والدراما، ولعل أشهرها فيلم “دائرة الانتقام” الذي قام ببطولته نور الشريف، وقدم سنة 1976 ويقوم فيه بقتل أصدقائه الثلاثة الذين يغدرون به ويدخل السجن وبعد خروجه يبدأ بالانتقام، وفيلم “ولا زال التحقيق مستمراً” الذي قدم سنة 1979 بطولة محمود ياسين ومحمود عبد العزيز ويقتل فيه ياسين زوجته وصديقه بعد اكتشاف خيانتهما. كما أن غادة عبد الرازق ارتكبت جريمة أخرى من دون عقاب في مسلسل “مع سبق الاصرار” وكان سابقاً يبرر عدم معاقبة القاتل بأن القتل حصل بسبب الظلم والانتقام، ولكن حالياً التبرير يكون بسبب المرض النفسي، وإن كان الدكتور محمود الصيفي وهو اختصاصي طب نفسي كتب بعد نهاية مسلسل “سفاح الجيزة” أن “المرضى لا يأتون غالباً الى العيادات النفسية بل ضحاياهم”.
“حدث بالفعل” سلسلة حكايا منفصلة من انتاج مصري – اماراتي مشترك، تتناول الأمراض النفسية وتأثيرها على حياة المرضى والمحيطين بهم ومستوحاة من قصص حقيقية من الدول العربية. وستعرض الحكايا تباعاً ومن بينها “ريش أبيض” بطولة ماجد المصري ورنا رئيس وبسمة، و”قرض شخصي” بطولة محمود عبد المغني وكريم فهمي وندى موسى، و”لو بعد حين” بطولة شيرين رضا ودينا الشربيني واسلام حافظ.