في ذكرى ميلاده… عاصي الرحباني من أنطلياس إلى العالمية بمسرحه الغنائي

زياد سامي عيتاني

حلت في الرابع من الشهر الجاري ذكرى ميلاد “العبقري” عاصي الرحباني، الذي إنطلق من بساتين بلدته أنطلياس الى العالمية، بعدما أرسى المسرح الموسيقي، وركز في إنتاجه الشعري والأوبرالي على الفولكلور والتاريخ، عارضاً قضايا الشعب اللبناني، متجولاً بمسرحه الغنائي في أنحاء العالم.

الولادة في أنطلياس:

ولد عاصي في قرية أنطلياس بجبل لبنان في 4 أيار 1923 وسُمّي على إسم جده لأبيه، في منزل تملكه أمه سعدى صعب، ووُلد أخوه منصور بعده بعامين، واضطرت العائلة الى التنقل من مكان لآخر بسبب ظروفها الصعبة، فوالده حنا الرحباني كان “قبضاي المنطقة” ومطارداً من العُثمانيين. ويعود أصل حنا إلى قرية السنديانة، إلا أنه وُلد في طنطا بمصر، حيث فر والداه من بطش العثمانيين. وعند عودته إلى لبنان قرر العمل كصائغ، إلا أنه وجد مهنة “القبضاي” تدر عليه أموالاً أكثر، واستطاع الفرار من ولاية بيروت ليستقر في جبل لبنان، بعيداً عن القانون العثماني، واشترى مقهى “فوار أنطلياس”، وجعله وجهة للفارين من العثمانيين، إلا أنه حرص على الأخلاق وعدم التهاون فيها، ووضع بعض القواعد وحافظ عليها، وفي تلك القرية تعرف على سعدى وتزوجا وعاشا مع والدتها.

النشأة القروية وتأثيرها على موسيقاه:

كان لنشأة الأخوين عاصي ومنصور البسيطة الأثر في تميز موسيقاهما، بحيث تربيا فى الضيعة بين البساتين، وترددا على المدرسة والكنيسة، فغُرست فيهما الروحية، وتعرفا الى ثقافة المنطقة، وأمضيا أوقاتاً كثيرة من طفولتهما بالعلية في مقهى والدهما يشاهدان الزبائن، ويستمعان إلى أغاني سيد درويش، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم وغيرهم من مشاهير المطربين من “الفونوغراف”. وخلال تلك الجلسات، كان عاصي ينسج الحكايات على مسامع أخيه الأصغر منصور، وفي نهاية اليوم يجمعهما أبوهما ويعزف على آلة البزق ويغني بعض المواويل.

يصدر مجلة ويتعلم الموسيقى في الكنيسة:

في تلك الأثناء، أصدر عاصي مجلة صغيرة باسم “الحرشاية” في عام 1937 يكتبها بخط يده ويوقع على كل موضوع باسم مختلف، ويدّعي أن هناك مجلس تحرير لها، ويقرأها على العائلة والأصدقاء. كذلك كان عاصي يحضر دروس الموسيقى في دير مارالياس أنطلياس سراً، لأنه لم يستطع الانضمام إلى الجوقة، وعندما اكتشف الأب بولس الأشقر ذلك بدأ بتعليمه في العام 1938، ثم إنضم إليه شقيقه منصور.

شرطي وطارد للكلاب الشاردة:

تقدم عاصي إلى اختبار لوظيفة عام 1939 بعد أن كَبر، وعلى العكس من والده “القبضاي” البعيد عن حكم القانون، قُبل عاصي في وظيفة بوليس وأمين سر في بلدية انطلياس، كما أُسندت إليه وظيفة مكافحة الكلاب والقطط الضالة.

التعرف على فيروز:

بدأ عاصي عمله في الاذاعة اللبنانية كعازف للكمان في فرقتها الموسيقية في العام 1947، وتابع تعلم الموسيقى فدرس التأليف الموسيقي على يد الأستاذ الفرنسي برتران روبيار، ولحق به أخوه منصور، وكانت نقطة التحول في حياة عاصي في العام 1949، عندما إستدعاه مسؤول الاذاعة حليم الرومي، وطلب منه التعاون مع مطربة صغيرة اسمها نهاد حداد، التي اختارت اسم “فيروز” إسماً فنياً لها، لتبدأ علاقة فنية بينهما مع أول أغانيهما “حبذا يا غروب”، ومنذ ذلك الحين تعاون الأخوان رحباني مع فيروز وأنتجا ما يقرب من 50 أغنية في هذه الفترة. وفي البداية واجها الكثير من الانتقادات اعتراضاً على قصر الأغنية، وبعد ذلك تزوج عاصي من فيروز في العام 1955، وأنجبا زياد، هلي، ليال وريما.

تأسيس المسرحيات الغنائية:

أسس عاصي ومنصور “مهرجان بعلبك الدولي” في العام 1957، وألّفا معاً المسرحيات الغنائية والأغاني التي تُذاع في التلفزيون والاذاعة. وتألق نجمهما وفيروز مع بداية الستينيات ووصلوا الى العالمية مع السبعينيات، وقدموا ثلاثة أفلام هي: “بياع الخواتم، “بنت الحارس” و”سفر برلك”. أما أشهر مسرحياتهم الغنائية فهي: “لولو”، “الليل والقنديل”، “ناطورة المفاتيح”، “يعيش يعيش”، “ميس الريم”، “المحطة”، “هالة والملك”، “الشخص”، “أيام فخر الدين”، “بترا” وغيرها.

شارك المقال