في العهد القوي… البنزين يحرق الرواتب

هدى علاء الدين

دخل لبنان المرحلة الأخطر من مراحل رفع الدعم عن البنزين، لتشهد معه رواتب وأجور الموظفين والعاملين المزيد من التآكل الشرس في قدرتها الشرائية بحيث أفقد انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي حوالي 90 في المئة من قيمتها، إذ هبط الحد الأدنى للأجور إلى ما بين الـ 30 و40 دولاراً من 450 دولاراً قبل الأزمة التي بدأت منذ عامين، وبات أصحابها غير قادرين على تأمين مستلزماتهم المعيشية الأساسية بعدما طال الفقر حوالي 75 في المئة من الشعب اللبناني.

أكثر من مليون ونصف سيارة وأكثر من 50 ألف لوحة عمومية ما بين نقل خاص ونقل عام، يسيطر على أصحابها شبح البنزين الأسود بعد قرار رفع الدعم عن المحروقات والذي حُددت بموجبه الأسعار وفق سعر منصة صيرفة أي 14 ألف ليرة للدولار الواحد في حين يتخطى حاجز الـ 16 ألفاً في السوق السوداء، لتكون أسعار المحروقات قد ارتفعت بأكثر من 608 % في عام واحد، بحيث أصبحت تفوق الحد الادنى للأجور (675 ألف ليرة شهرياً)، علماً أن أكثر من 80 في المئة من الموظفين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، ليكون هذا القرار بمثابة الضرية القاضية لهم بعدما باتوا عاجزين عن الوصول إلى أعمالهم بشكل يومي، فكلفة النقل بالسيارات الخاصة أصبحت باهظة الثمن بعدما ارتفعت بشكل هائل بنسبة وصلت إلى الـ 400 في المئة.

ويقول وزير العمل مصطفى بيرم ان “خطوة تصحيح الرواتب والأجور باتت موضوعة بجدية على جدول أعمال الحكومة، ملمحاً إلى منح سلفة غلاء معيشي للموظف العام والأسلاك الأمنية والعسكرية لا تدخل في صلب الراتب، تزامناً مع العمل بشكل سريع لتحسين رواتب القطاع الخاص عبر إطلاق عمل لجنة المؤشر التي تضم أطراف الانتاج الثلاثة (الحكومة وأرباب العمل والعمال) للنظر في معالجة رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص التي توقفت اجتماعاتها منذ العام 2014”.

هذه الخطوة التي ستتزامن حتماً مع طبع المزيد من العملة الوطنية، يجمع الخبراء الاقتصاديون على انعكاساتها الخطيرة على معدلات التضخم التي قد تصل إلى مستويات كارثية. كما أنها ستضع في المقابل القطاع الخاص في أزمة وجودية ولا سيما أنه لن يكون قادراً على رفع الأجور تماشياً مع القطاع العام. لذا، لا يكمن استعادة القدرة الشرائية المفقودة من خلال رفع الرواتب والأجور فقط، بل عبر إيجاد حلول بديلة تساعد على التخفيف من الضغط المالي على جيوبهم بعيداً عن فرض الضرائب والرسوم كبديل عن طبع الليرة والتي لن يستطيع المواطن تحملها في هكذا ظروف كارثية.

الموظف الذي يحتاج اليوم إلى مليون ليرة للحصول على أربع صفائح بنزين (أي حوالي 80 ليتراً)، فاقم من أزمته غياب أي خطط مسبقة تخفف من عبء هذا القرار، لعلّ أبرزها إقرار خطة شاملة للنقل العام بكلفة معقولة في ظل فوضى تسعيرة التاكسي والباصات والفانات وعدم توحيد تعرفتها.

وتُشير الأرقام إلى أن التكاليف الاقتصادية للتكدُّس المروري في لبنان تراوح ما بين الـ 5 و10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الوطني مسجلةً أكثر من ملياري دولار. وفي هذا الإطار، لا بد من التطرق إلى القرض الذي وافق عليه البنك الدولي من أجل تمويل خطة النقل العام بقيمة 295 مليون دولار عام 2018، للمساهمة في إصلاح هذا القطاع المتهالك، وخلق فرص عمل لآلاف العمال اللبنانيين. فالمشروع الذي كان يهدف إلى شراء 120 حافلة لخدمة 40 كيلومتراً من المسارات المخصَصة للنقل السريع من الضواحي الشمالية إلى قلب بيروت، وإلى عمل 250 حافلة على الطرق الفرعية بين المحطات الرئيسية والمناطق النائية، كان سيمنح القطاع الخاص استثمارات تراوح ما بين الـ 50 مليون دولار والـ 80 مليونا لتمويل شراء حافلات النقل السريع وتشغيلها.

وهنا تُطرح العديد من علامات الاستفهام حول تضييع لبنان العديد من الفرص التي كانت تُشكل حلولاً استباقية لأزماته، فماذا لو تم العمل به حينها؟ ألم يكن ليوفر ذلك على اللبنانيين خوض معركة غير متوازنة وغير عادلة بين قيمة رواتبهم المتدنية وسعر صفيحة البنزين التي ستبقى رهن دولار منصة صيرفة؟ ولماذا لم يتم اللجوء منذ بدء انهيار الليرة وارتفاع الدولار وبوادر رفع الدعم إلى اتخاذ تدابير حقيقية تؤثر إيجاباً في قدرتهم الشرائية؟ وأين نحن من إقرار البطاقة التمويلية التي طال انتظارها؟ أم أن الحلول في لبنان دائماً ما تأتي بعد فوات الأوان…

شارك المقال