لغم توزيع الخسائر في التفاوض مع صندوق النقد

ليندا مشلب
ليندا مشلب

تعود الدولة اللبنانية إلى مسار التفاوض مع صندوق النقد فور تشكيل اللجنة الوزارية المختصة رسمياً في جلسة اليوم لمجلس الوزراء. واذا كانت حكومة ميقاتي ستبدأ من حيث توقفت سابقتها فإن النقطة الاساس هي كيفية توزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان وجمعية المصارف، علما ان تعديلات جوهرية فرضت نفسها على خطة الحكومة بسبب المتغيرات التي حصلت منذ عام وحتى تاريخنا هذا خصوصاً لجهة الارقام واحتساب الخسائر وقيمة أموال المودعين التي انخفضت بشكل ملحوظ.

الدوامة التي وقعت فيها الحكومة السابقة هي كيفية توزيع المسؤولية بين: الدولة التي أخطأت بهذه الاستدانة المفرطة من دون خطة منهجية لتسديد ديونها، ومصرف لبنان الذي أمعن في الاستدانة من المصارف وإقراض الدولة والقيام بهندسات مالية لتعويض الخسائر، وجمعية المصارف التي تضخمت بشكل كبير على حساب المودعين ومن أموالهم واستفادت من الهندسات المالية والفوائد العالية، وهنا الإشكال الكبير والاشتباك الحقيقي الذي ستواجهه الحكومة بين مكوناتها.

ومعروف أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سيكون منتصراً لمصرف لبنان اولا وللمصارف ثانيا خصوصاً ان من يتولى هذه المهمة ويده اليمنى في هذه الخطة هو النائب نقولا نحاس، شريك النائب إبرهيم كنعان في احباط خطة الحكومة، وهما تبنيا وجهة نظر مصرف لبنان وجمعية المصارف، وهذا سيكون جوهر الصراع في التفاوض مع صندوق النقد، خصوصاً ان لكل مكون سياسي داخل الحكومة رأيه بخلفية مالية، مع العلم أن صندوق النقد كان ميالاً لخطة الحكومة ومعظم القوى السياسية يمكن ان تتبنى ارقام المصرف لكنها لن تعارض منطق الدولة عند القرار، اي لن تقبل ببيع أملاك الدولة لتسديد ديون المصارف.

وهناك تضارب في التوجهات حتى داخل التيار السياسي الواحد مثل “التيار الوطني الحر” الذي تبنى جزء منه منطق كنعان والقسم الآخر مع جبران باسيل، الذي كان ميالاً لخطة الحكومة وأرقامها، وهناك من لم يحسم موقفه بعد ويضرب ضربة على الحافر واخرى على المسمار. وتالياً السؤال الأكبر: كيف ستتعامل الحكومة مع هذا الاستحقاق الاساسي بعد اعادة قراءة الارقام التي تغيرت وارقام الخسائر التي انخفضت بفعل السياسات المالية والنقدية التي اعتمدت خلال الاشهر الماضية والسحوبات وتأخير اقرار قانون الكابيتال كونترول. والاتفاق على مبدأ توزيع الخسائر سيكون المدخل العريض لاقرار برنامج صندوق النقد وخطة التعافي.

يقول مصدر حكومي لـ”لبنان الكبير” إن كل الابواب التي ستحاول الحكومة الدخول منها موصدة، واذا وجدنا المكان الذي سنبدأ منه نكون قد امسكنا بطرف الخيط. والصعوبة تكمن في ان الدول الخليجية لم تتخذ بعد قرارها بالمساعدة في انتشال لبنان ماليا. فالأزمة عميقة في البلد 90 طبقة تحت الارض وللنهوض وللبدء في الصعود سنحتاج الى جهد جبار وطويل الأمد. واستشهد المصدر بأحد الخبراء الاجانب الذي سأل عن الناتج القومي ليضع رقماً على سبيل المثال وقال: لنفترض ان الدولة لديها فائضا سنويا بحدود الـ 10 مليارات دولار فكم ستحتاج الى تسديد ديونها والمقدّرة بمجملها بـ256 ملياراً؟ الجواب: 25 سنة… ثم سأل: هل لديكم فائض قومي بـ10 مليارات دولار؟ الجواب: طبعاً لا … فعلق قائلاً: ولنفترض ان الارقام حاليا تغيرت وحجم الديون السيادية وبالعملة الاجنبية والديون الداخلية انخفضت بسبب ارتفاع سعر الدولار (تبين انها اصبحت بحدود الـ12 ملياراً) واموال المودعين انخفضت الى حدود الـ100 مليار دولار عدا عن استحقاق المتعهدين وخصوصا الكهرباء، كل هذه الديون وحتى بعد انخفاضها تحتاج الى خطة والخطة اذا ما توحدت الرؤية تجاهها تضعنا على السكة”.

لكن النهوض لن يبدأ قبل ثلاث سنوات… الأزمة عميقة ونجيب ميقاتي قام بمغامرة كبيرة و”حزب الله” أخذ قرار المواجهة فماذا ينتظرنا؟

شارك المقال