التعميم 151: تمديد لمعاناة صغار المودعين

هدى علاء الدين

إنتهى شهر أيلول معلناً تمديد صلاحية التعميم رقم 151 الصادر عن مصرف لبنان في 21 نيسان 2020 والذي قضى بتحديد سعر صرف الدولار بـ 3900 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد في المصارف حصرياً على السحوبات من الحسابات المودعة بالدولار، ليحصل بذلك المودع على قيمتها بالليرة اللبنانية وفقاً للسعر المحدد بالتعميم، منهياً بذلك عملية الكرّ والفرّ بين لجنة المال والموازنة ومصرف لبنان حول تمديد العمل بالتعميم أو تعديله.

فالمركزي الذي يريد تمديد العمل به إلى نهاية العام معولاً على سير عمل الحكومة ومسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للبناء على الشيء مقتضاه، ومتخوفاً من التضخم الذي قد ينتج من زيادة الكتلة النقدية في السوق ومن تأثيرها على سعر الصرف في السوق الموازي، كان يواجه إصراراً من لجنة المال والموازنة على ضرورة رفع سعر الدولار المصرفي لما فيه من غبن واضح للمودعين، إذ لم يعد من المقبول وصول سعر الدولار إلى ما هو عليه اليوم والاستمرار في لعبة حرمان أصحاب الودائع من حقوقهم التي تُخسرهم قيمة أموالهم بالدولار.

مصرف لبنان الذي أظهر حرصه على حماية حقوق المودعين بالعملات الأجنبية بالتوازي مع غيرهم من المودعين بالليرة اللبنانية وبقية شرائح المجتمع اللبناني الذي يعاني تداعيات الأزمة الحالية، أعاد وذكّر بدقة الوضع المالي في ظل فراغ حكومي دام أكثر من سنة وانخفاض التدفقات النقدية للعملات الأجنبية من الخارج نتيجة إعلان لبنان عدم سداد ديونه الخارجية. وبحسب المصرف، فإنه وبناءً على المعطيات المالية والنقدية المتوافرة، سيكون لتعديل سعر صرف الدولار للتعميم 151 تداعيات كبيرة على الكتلة النقدية وسعر صرف الدولار في غياب خطة اقتصادية ومالية شاملة. لذا، قرر المجلس المركزي تمديد عمل التعميم 151 لتاريخ 31 كانون الثاني 2022 لاعطاء الوقت للحكومة لتقديم مشروعها الإصلاحي، مع تعديل التعميم رقم 158 بحيث سمح للمودع بالإستفادة من التعميمين 158 و151 بالتزامن في مصارف مختلفة ما يسمح بتحسين متوسط سعر الصرف الذي يستفيد منه ويزيد من قدرته الشرائية.

وتعليقاً على قرار المركزي، اعتبر الخبير في المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، أن تعديل أحكام التعميم رقم ١٥٨ سيسمح للمودع الذي لديه عدة حسابات بالدولار في أكثر من مصرف أو بالمصرف نفسه ومستوفية لشروط التعميم من الاستفادة من التعميمين ١٥١ و ١٥٨ في الوقت ذاته، وهذا لم يكن موجوداً في نسخة التعميم الأساسي. بمعنى آخر، وكأن المودع الذي وزع ودائعه في عدة مصارف سيكون قادراً على سحب أمواله بطريقة أكثر ليونة وسهولة من المودع الذي حصر تعامله مع مصرف واحد. وبالتالي، فإن المودع المتعدد الحسابات سيستطيع في مكان ما تعويض خسارته الناجمة عن سحب دولاراته على سعر 3900 ليرة لبنانية، في حين أن المودع الصغير سيكون حكماً هو الخاسر الأكبر. وهنا يشير فحيلي إلى أن التمييز بين الحسابات الدولارية على قاعدة وجود حسابات دولارية ظريفة وأخرى سخيفة هو أمر ليس بجيد. فالمودع كان اليوم بانتظار قرار بشأن التعميم ١٥١، إلا أن القرار أتاه بشأن التعميم ١٥٨، مشيراً إلى أنه ليس بهذه الطريقة يتم توسيع رقعة الاستفادة من التعميم ١٥٨، معتبراً أن الطريقة التي تم فيها تعديل العمل بأحكام التعميم ١٥٨ هي مشروع فتنة بين المصارف وأصحاب الودائع.

وبحسب فحيلي، فإن التعميم الأساسي (151) الذي نصّ على أنه في حال طلب أي عميل إجراء أية سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات العائدة له بالدولار، على المصارف، شرط موافقة العميل، أن تسدد ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق المعتمد في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة الذي حدّد لاحقاً بـ ٣٩٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد، تمت صياغته بذكاء مفرط لجهة تصويره وكأنه طوعي، أي بطلب من صاحب الوديعة بالدولار وموافقته تتم عملية السحب على سعر الصرف ٣٩٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد الذي عليه أن يحضر إلى الفرع المصرفي (أو عبر الصراف الآلي) وطلب سحب دولار من حسابه بالعملة الأجنبية المكوّن قبل تشرين ٢٠١٩، ليكون بذلك قد عرض بيع دولاره للمصرف على سعر الـ ٣٩٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد.

وبالرغم من تجاوز سعر صرف الدولار في العديد من المحطات عتبة الـ ٢٠٠٠٠ ليرة لبنانية، إلا أن سعر صرف السحوبات المصرفية بقيت على حالها، بسبب تمسك مصرف لبنان بتاريخ إنهاء العمل بأحكام هذا التعميم قبل إدخال أي تعديل عليه، علماً أن المصرف لم يذكر الرقم ٣٩٠٠ في النسخة الأصلية والأساسية للتعميم، ما يعني بأن “ليلرة” حساب الدولار يحصل بشكل “لا إكراه فيه”. فحيلي الذي لفت إلى سماح المركزي لكل مصرف وضع ضوابط على هذه السحوبات النقدية وفق ما يناسبه عندما ذكر “وذلك استناداً للإجراءات والحدود المعتمدة لدى المصرف المعني، أشار إلى من لا يعلم، بوجود سقوف للسحوبات النقدية بالليرة اللبنانية يضعها المركزي على كل مصرف وفق معايير أهمها عدد الفروع والصراف الآلي وحسابات توطين الرواتب. وفي التعميم ذاته، طلب مصرف لبنان من المصرف المعني بيع العملات الأجنبية الناتجة على هذه السحوبات عبره، منوهاً إلى أمرين لا يعلم بهما صاحب الوديعة:

– ما هو سعر الصرف الذي يعتمده مصرف لبنان مع المصارف للحصول على الدولارات الناتجة من عمليات السحب هذه؟

– مع كل سحب دولار، يتم تحرير حصة هذا الدولار من التوظيفات الإلزامية (أي ١٥ في المئة وتم تخفيضه إلى ١٤ في المئة في حزيران ٢٠٢١) “فريش”. إذا مجموع السحوبات وفق أحكام التعميم ١٥١ وصلت إلى ١٠٠ مليون دولار، قام مصرف لبنان بتحرير ١٥ مليون دولار من حسابات التوظيف الإلزامي لصالح المصارف وتعتبر جميعها “فريش دولار”! وهنا يتساءل فحيلي: لماذا تعتبر المصارف دولارات الزبائن الموجودة في حسابات مكونة قبل تشرين ٢٠١٩ بأنها دولارات “سخيفة” (لولار)، وفي المقابل يعتبر مصرف لبنان دولارات المصارف بأنها دولارات “فريش”؟!

وعن الحلول التي يمكن العمل بها من أجل إعادة الحياة للقطاع المصرفي وترميم الثقة به، اعتبر فحيلي أنه كان يجب على مصرف لبنان تجميد العمل بأحكام التعميم ١٥١ مقابل توسيع رقعة الاستفادة من أحكام التعميم ١٥٨، بحيث تنقسم  الحسابات المعنونة بالعملة الأجنبية إلى قسمين، القسم الأول يشمل الحسابات التي تتناغم مع التعميم       151 والتي تستفيد من 400 دولار فريش و400 دولار على سعر منصة صيرفة، والقسم الثاني يشمل الحسابات التي لم يتطرق لها التعميم على أن تحصل على ٢٠٠ دولار نقدي أو حساب فريش و600 دولار تصرف بالعملة الوطنية على سعر صرف المنصة ١٢٠٠٠ ليرة للدولار الواحد تصرف للمستفيدين مناصفة بين نقدي ونقاط بيع.P.o.S   هذا فضلاً عن السماح لأصحاب الحسابات بالدولار الطلب من مصرفهم رفع سقف الاستفادة من أحكام التعميم شرط أن تكون الاستفادة الإضافية من خلال سحوبات بالليرة اللبنانية وللاستعمال من خلال نقاط البيع أو لتسديد التزامات/ديون عليهم بالليرة (من ضمنها ديون للمصرف)، وليس سحوبات نقدية، بالتزامن مع وضع الأطر التنظيمية للسماح بالتداول بـ “حقوق الاستفادة” من هذه السحوبات بين المودعين.

وختم فحيلي بالقول: ” فشل المجلس المركزي في أخذ القرار بالنسبة للتعميم ١٥١ بسبب تدخل السلطة السياسية من بوابة لجنة المال والموازنة، وكي يتفادى المواجهة معها بادر مصرف لبنان إلى هذه الهندسة المالية الجديدة. وفي حين كان الجميع ينتظر التجديد، فرمل مصرف لبنان اتخاذ قرار رفع الدولار المصرفي إلى العام 2022، مخيباً آمال من انتظر اللحظات الأخيرة ومكذّباً الوعود بأن سحب الودائع بالدولار على سعر 3900 ليرة قد أصبح فعلاً وراء أصحاب الودائع.

شارك المقال