فيما يُنتظر أن تنجز الحكومة خطتها المعدّلة للتعافي المالي بالتعاون مع شركة “لازارد”، على أن تبدأ بعدها مرحلة التفاوض الرسمي مع صندوق النقد الدولي والمرتقبة آخر الشهر الجاري، أصدر البنك الدولي تقريراً محدّثاً حول التطوّرات الاقتصاديّة في لبنان، عرض من خلاله أبرز التحدّيات التي تواجه البلاد عقب تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعد فترة فراغ دامت 13 شهراً.
في تحديثه للأرقام، يتوقّع التقرير المؤشرات الآتية:
– أن ينخفض الناتج المحلّي الحقيقي للسنة الرابعة على التوالي، وذلك بنسبة 10.5 في المئة خلال العام 2021، وذلك مقارنةً بانخفاض بنسبة 21.4 في المئة خلال العام 2020.
– أن يسجّل معدل التضخّم أو مؤشّر سعر المستهلك نسبة 130 في المئة في 2021 ارتفاعاً من 84.3 في المئة في 2020.
– أن يبلغ ميزان الحساب الجاري انكماشاً بنسبة 10.1 في المئة الى الناتج المحلي الاجمالي ارتفاعاً من 6.9 في المئة في 2020.
– أن تبلغ الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصافية 7.2 في المئة الى الناتج المحلي، ما نسبته 7.2 في المئة انخفاضاً من 9.6 في المئة في 2020.
– أن يسجّل الدين العام ما نسبته 197.5 في المئة الى الناتج المحلي الاجمالي في ارتفاع ملحوظ من 179.1 في المئة في 2020.
– أن يسجّل العجز المالي انكماشاً بنسبة 3 في المئة إلى الناتج المحلي في 2021 من 3.3 في المئة في 20202 و10.5 في المئة في 2019.
وكشف التقرير أنّ الاحتياطات الإجماليّة بالعملات الأجنبيّة لمصرف لبنان وصلت إلى حدود الـ20.1 مليار دولار مع نهاية تموز 2021، منخفضةً بقيمة 4 مليارات دولار منذ أواخر العام 2020، معلّقاً بأنّ الاحتياطات الصافية بالعملات الأجنبيّة “سلبيّة على الأرجح”. وعند حسم محفظة اليوروبوندز التي يحملها مصرف لبنان والبالغة 5 مليارات دولار، والتسليفات التي منحها المركزي للمصارف منذ تشرين الأول 2019، فإنّ الاحتياطات المتبقيّة تشكّل تلك الإلزاميّة المكوّنة على الودائع بالعملات الأجنبيّة لدى المصارف اللبنانيّة.
أما على صعيد الماليّة العامّة، فكشف البنك الدولي أنّ الأرقام تتأثر بشكل كبير بالتقلبّات في سعر الصرف. إذ انخفضت الإيرادات الحكوميّة بنسبة 8 في المئة عام 2020، في حين كانت نسبة تراجع النفقات أكبر بلغت 23.6 في المئة. وعزا تراجع النفقات بشكل أساسي إلى انخفاض خدمة الدين بنسبة 63.7 في المئة بعد تخلّف الدولة عن دفع سندات اليوروبوندز وتقليص الدفعات على سندات الخزينة التي يحملها مصرف لبنان، ما أدّى إلى انكماش العجز في الموازنة بنسبة 54.1 في المئة عام 2020 برغم تدهور الرصيد الأولي في الموازنة.
وأعاد التقرير التذكير بما ورد في تقريره السابق الصادر في نيسان الماضي حين صنّف الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في لبنان من ضمن أسوأ 10 أزمات عالميّة وربما ضمن أسوأ 3 أزمات منذ العام 1857. إذ انخفض الناتج المحلّي الإجمالي من 55 مليار دولار في العام 2018 إلى ما يقارب الـ20.5 مليار دولار في العام 2021، أي تراجع بنسبة 37.1 في المئة في الناتج المحلّي الإجمالي للفرد الواحد. كما كشف أنّ الأمور ساءت منذ نيسان، مع تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنسبة 68 في المئة خلال الفترة الممتدّة بين آذار وآب من العام الجاري إلى 19800 ليرة للدولار الواحد، مقابل تراجع بنسبة 18 في المئة خلال الأشهر الستة التي سبقتها.
وبحسب التقرير، تم خفض متوسّط سعر الصرف التابع للبنك الدولي بنسبة 213 في المئة سنويّاً مع نهاية شهر آب 2021، فيما تدهور متوسّط نسبة التضخّم بنسبة 131.9 في المئة خلال النصف الأول من العام 2021، والذي كانت الطبقتان المتوسّطة والفقيرة الأكثر تضرّراً من جرّائه. وقد ترجم هذا من خلال ارتفاع معدّلات الفقر مع زيادة نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر بنحو 13 نقطة مئويّة مع نهاية العام 2020، وتوقّع بإرتفاعها بـ28 نقطة مئويّة مع نهاية العام 2021.
ولفت التقرير إلى أنّ ارتفاع أسعار المأكولات والمشروبات غير الروحيّة بنسبة 64.7 في المئة، كان الدافع الأساسي لمستويات التضخّم، ما حدّ من ولوج الأشخاص للخدمات الأساسيّة. بالأرقام، كشف التقرير أنّ 41 في المئة من الأسر تواجه صعوبات في تأمين المأكولات، مع ارتفاع نسبة الذين يواجهون تحدّيات في الحصول على الخدمات الصحيّة من 25 في المئة في تموز- آب 2020 إلى 48 في المئة في حزيران – تموز 2021. وترافق هذا مع نقص حاد في الوقود وانقطاعات واسعة للتيار الكهربائي في المناطق اللبنانيّة.
على صعيد النظرة المستقبليّة، كشف البنك الدولي أنّ عاملين أساسيين سيحددّان وطأة رفع الدعم المرتقبة، هما سعر الصرف الجديد الذي سيتمّ الاستيراد على أساسه ومصدر العملات الأجنبيّة. وفي حال اعتماد سعر الصرف التابع لمنصّة مصرف لبنان (صيرفة) بهدف تمويل عمليّة الاستيراد، فإنّ استنزاف احتياطات مصرف لبنان سيستمرّ (وإن بويترة أبطأ) مع الأخذ في الاعتبار بأنّ سعر الصرف هذا هو أدنى من سعر صرف السوق بنحو ألفي ليرة. وبالإضافة إلى ذلك، سترتفع الأسعار بشكل كبير وهو ما سيوازيه الانخفاض بالطلب على السلع.
ومن ناحية أخرى، وفي حال لجأ المستوردون إلى شراء الدولار بحسب سعر السوق لتمويل عمليّة الاستيراد، فإنّ الأسعار ستكون أعلى من السيناريو الأول ترافقاً مع انكماش في الطلب على السلع بشكل أقصى، وهو ما سيتتبعه تراجع أكبر في سعر صرف الليرة وزيادة إضافيّة في الأسعار.