من الخاسر الأكبر من توحيد سعر الصرف؟

هدى علاء الدين

يستعد لبنان لإجراء مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الدولي حول مجموعة من السياسات المالية والنقدية والإصلاحات الضرورية التي يجب تنفيذها من أجل البدء في معالجة جذرية لأزماته، أبرزها توحيد سعر الصرف كأحد شروط الصندوق الرئيسية، إذ لم يعد خافياً وسط التحديات الاقتصادية التي يواجهها لبنان أن سياسة التعددية في سعر الصرف تمكنت من بسط سطوتها على العملة الوطنية بشكل سلبي، وتحتاج اليوم إلى من يوقفها رأفة بما تبقى من قيمة الليرة التي شهدت انهياراً غير مسبوق في تاريخها الحديث وإنهاءً للفجوة الواسعة بين أسعار الصرف.

فقد كبّدت سياسة تعدّد سعر صرف الدولار على مدى سنتين خسائر فادحة على المستوى المالي والنقدي، وأسهمت في زيادة الضغوط على احتياطي المصرف المركزي من العملة الأجنبية. كما أنها فتحت المجال للمضاربين والمتلاعبين بغزو السوق السوداء وإنعاشها على حساب السوق الطبيعية القائمة على العرض والطلب، وخلقت تشوهات اقتصادية نتجت منها تشوهات اجتماعية كارثية.

وفي هذا الإطار، يعتبر الأستاذ الجامعي والاستشاري في الشؤون المالية والإدارية الدكتور مروان قطب، في حديث مع موقع “لبنان الكبير”، أن تعدد أسعار الصرف (1500، و3900، و12000، و15300) مقابل السعر في السوق الموازية، أدى إلى أضرار كبيرة في الاقتصاد الوطني، إذ لم تعد الليرة اللبنانية مقياساً للقيمة، مشيراً إلى أن اللجوء إلى العملة الوطنية لدى تحديد قيمة السلع والخدمات أصبح عملية صعبة وتسببت في الكثير من الأحيان بخسائر فادحة للمنتجين والتجار. كذلك، فقدت الليرة وظيفتها كأداة للمحاسبة ولإجراء القيود المحاسبية واستخدامها في السجلات والدفاتر والبيانات المالية، خصوصاً أن معظم السلع والخدمات تستورد من الخارج بالعملة الأجنبية، وتالياً من الصعب معرفة على أساس أي سعرصرف يجب تقييدها أو تسجيلها. كما أنها خلقت إشكاليةً كبيرة في التخمينات العقارية للسبب عينه.

أما بالنسبة إلى المودعين، فإن اعتماد سعر صرف الـ 3900 سبّب لهم خسائر كبيرة لا سيما أنه يعتبر هيركات لما يتجاوز الـ 82 في المئة. كما أن التعميم 158 الذي يسمح لهم بالحصول على 400 دولار على أساس 12000 ليرة هو أيضاً هيركات بنسبة 45 في المئة.

وفي ما يخص العلاقة بين المصارف ومصرف لبنان، يرى قطب أن احتساب الدولار على السعر الرسمي المتمثل بالـ 1500 جعل من ميزانيات المصارف ميزانيات وهمية وصورية وأرباحها غير صحيحة وغير سليمة ولا تعكس الواقع الفعلي إطلاقاً.

وعما إذا كان توحيد سعر الصرف يؤدي إلى الحد من التضخم، ينفي قطب ذلك مشيراً إلى أنه على عكس ذلك، فإن للتوحيد أثراً سلبياً كبيراً، إذ يجب عدم نسيان أن الدولار الضريبي والدولار الجمركي لا يزال يتم احتسابهما في الوقت الراهن على أساس سعر الصرف 1500. هذا يعني أن السلع عندما تدخل الأراضي اللبنانية يحتسب دولارها على السعر الرسمي، في حين لو احتسب على أساس الـ 20000 (السعر في السوق الموازية)، عندها تزيد الضريبة الجمركية بـ 12 و13 ضعفاً، الأمر الذي سيؤدي حكماً إلى ارتفاع الأسعار. أما عن الدولار الضريبي، فيُعطي قطب مثالاً عندما يتم تخمين العقار بمبلغ قدره 100 ألف دولار، أيما يوازي 150 مليون ليرة في الدوائر المالية لتكون بذلك ضريبة العقارات عليه محدودة، بينما القيمة الصحيحة والفعلية له الآن يجب أن تكون أكثر بـ 13 ضعفاً. ويسري الأمر كذلك على ضريبة الدخل والـ TVA وضريبة الأملاك المبنية، مشيراً إلى أن اعتماد سعر صرف الدولار في السوق الموازية سيؤدي إلى ارتفاع الضرائب بشكل كبير على مختلف أنواعها.

وإلى كم من الوقت يحتاج لبنان من أجل توحيد سعر صرف الدولار، يقول قطب إن التوحيد يحتاج إلى خطة اقتصادية تُجنب الأوضاع الاجتماعية أي انعكاسات سلبية لهذه الخطوة. كما أن الوقت مرتبط بمفاوضات صندوق النقد الدولي والاتفاق معه عبر وضع برنامج خاص بعملية التوحيد. هذا ويرى قطب أن الخاسر الأكبر من عملية توحيد سعر صرف الدولار سيكون بلا شك المواطن اللبناني لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار من جديد. وبحسب قطب، فإن الانهيار لن يأخذ حجمه إلا عند توحيد سعر الصرف ولن يكون في المدى المنظور، مشيراً الى أنه في حال لم يقابله أي تفعيل اقتصادي وضخ دولار في الأسواق المالية اللبنانية، فإن ذلك سيؤدي إلى الارتطام والمزيد من الانهيار وتضخم الأسعار.

أما بالنسبة إلى الدين العام، فإن الدولة هي من ستستفيد من الدين المقوم بالليرة اللبنانية، ويعود السبب في ذلك إلى أن قيمة هذا الدين عند سعر الصرف 1500 تبلغ 65 مليار دولار، في حين إذا احتسب على أساس الـسعر الفعلي فستنخفض قيمة إجمالي الدين العام من 100 مليار دولار إلى نحو 45 مليار دولار.

على الرغم من أن الهدف الأساسي لعملية توحيد سعر صرف الدولار يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسار التعافي ومن ثم النهوض مجدداً بالاقتصاد اللبناني، ويعمل على إزالة ما خلّفته السوق السوداء من أسعار وهمية غير حقيقية ومعدلات كارثية على التضخم وآثار انكماشية على الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن حملها لن يكون خفيفاً على اللبنانيين الذين سيدفعون هم الثمن مجدداً.

شارك المقال