تتزايد الضغوط على الدولار في وطن لا يهدأ ولا يستكين بحيث تهبط عليه الأزمات بالجملة ودون أي فارق زمني، كان آخرها التوتر الأمني المسلح الذي شهدته العاصمة بيروت نهاية الأسبوع الماضي. فازدياد وتيرة انعدام استقرار السياسي وكثرة التجاذبات ما قبل الانتخابات النيابية وما سيرافقها من تجييش طائفي وحملات انتخابية وتراشق كلامي، بدأ يُنذر بما هو أسوأ لأزمة الدولار الطاحنة إن لم تُعالج سريعاً ويُتجنّب الانجرار في دهاليزها المدمّرة اقتصادياً.
تساؤلات كثيرة تُطرح حول انعكاسات هذا الاحتقان والتشنج السياسي على عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وآثاره على مسار الدولار الذي أصبح مكشوفاً على كافة المخاطر متجاوزاً حاجز الـ 20 ألف ليرة. وفي هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي وليد ابو سليمان في حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، أن هذه الحكومة ليست قادرة على فعل أي شيء، خصوصاً إذا ما استمر الخلاف القائم على مصير القاضي طارق بيطار، معبراً عن عدم تفائله في ما آلت إليه الأمور مؤخراً، فبدل الغوص في البحث عن حلول للأزمات الاقتصادية تم الغرق من جديد في المشاكل السياسية التي لا حلول لها، مشيراً إلى أن كافة المعنيين خلاقون في ابتكار الأزمات وافتعالها، لكنهم عاجزون عن حل أي واحدة منها، وكأن هذا النهج مقصود كي لا تتم معالجة أي من المشاكل والتحديات المالية والنقدية بشكل جذري. إذ يبدو واضحاً اتباع سياسة الهروب من تنفيذ الحلول المتوافرة، معتمدين في ذلك على قاعدة أن اللبناني تعوّد وتكيّف على سعر الدولار والغلاء ورفع الدعم، وبهذه الطريقة يحملونه كافة الخسائر والأعباء. وهنا يحمل ابو سليمان جزءاً من مسؤولية ما يحصل إلى اللبنانيين الذين لا يكترثون لما يحصل بشكل جدي ولا يتخذون الخطوات اللازمة لكسر هذه القاعدة.
وبحسب ابو سليمان، فإن انعدام الاستقرار الأمني سيؤدي إلى المزيد من فقدان الثقة بالليرة اللبنانية، وهذا ما يدفع أصحاب العملة الوطنية إلى التخلص منها وشراء الدولار الذي تضاعف بعد رفع الدعم عن المازوت، فازداد الطلب عليه في السوق الموازية بنحو 2-3 ملايين دولار يومياً، الأمر الذي شكل عاملاً آخراً للضغط على سعره. كما أن عدم اجتماع مجلس الوزراء الذي سيُعطيها طابع حكومة تصريف أعمال مضافاً إليها تشنجات سياسية حادة، سيؤدي حكماً إلى ارتفاع سعر صرف العملة الخضراء. فاليوم، يعود لبنان إلى نقطة الصفر وما زاد الطين بلة هو رفع الدعم الذي ضغط على سعر الدولار، ومع كل هذه الأزمات من الواضح أن لا مفرّ من ازدياد الطلب على الدولار وارتفاع سعره.
وعن قدرة الحكومة اليوم في ظل كل هذه التحديات والتشنّجات بالسير في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يعتبر ابو سليمان أن كل الامور معلّقة إلى حين الاتفاق سياسياً في ما يتعلق بالقاضي بيطار، مشيراً إلى أن ضرب القضاء هو عامل إضافي لاهتزاز الثقة، لا سيما وأن المجتمع الدولي يربط المساعدات المالية باستقلالية القضاء، وهو الأمر الذي أشير إليه في مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
هذا ويعتقد ابو سليمان أن مسار الدولار سيبقى تصاعدياً في المرحلة القادمة إلى حين إجراء الانتخابات النيابية، في حال لم يطرأ أي تغيير جذري يقلب الموازين لصالح انخفاضه وتراجعه، لافتاً إلى أن عدم استتباب الوضع الأمني وهذا الشلل الحكومي الناتج من الاشتباك السياسي، سيكون عائقاً أساسياً أمام حل معضلة الدولار وتوحيد سعر صرفه، إذ يبدو واضحاً أن المعركة السياسية في لبنان ستغرق الليرة أكثر فأكثر في مستنقع الانهيار.