“طارت” تنكة البنزين… والحل “وصاية دولية”!

راما الجراح

الحرب الاقتصادية الباردة التي تشنها المنظومة الفاسدة أثقلت كاهل الشعب اللبناني، من خلال عجز يتغلغل في جميع قطاعات ومؤسسات الدولة مما أدّى إلى تدهورها وتراجع إنتاجيتها على الصُعد كافة، حتى أصبح الحديث عن ارتفاع نسب البطالة أمراً عادياً وغير مفاجئ أبداً، بل ومتوقع، حتى مَن بقي صامداً اليوم في وظيفته يُثنى على صبره ويمكننا اعتباره “بطلاً مقاوماً” في وجه الأعباء المعيشية المستجدة إلى جانب وظيفة لا يتعدى راتبها كلفة تأمين الطعام والشراب وتنكة بنزين!

وقد أبلغ مصرف لبنان المركزي أن دعم المحروقات في لبنان انتهى بشكل نهائي والجدول وضع على أساس سعر صرف الدولار 20 ألف ليرة، وأكد ذلك عضو نقابة أصحاب المحروقات جورج البراكس في معرض كلامه اليوم. فيما حذر رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر من أنه “لا يمكن رفع الدعم عن المحروقات من دون خطة بديلة، وان سعر صفيحة البنزين قد يلامس الـ 400 ألف ليرة، وما يحصل يبشّر بالمزيد من الانهيار الإقتصادي، داعياً الحكومة إلى تسريع تنفيذ البطاقة التمويلية”.

ويبقى مصير الشعب اللبناني بين مدّ أزمة الدولار، وجزر الهرطقات السياسية التي فعّلت محركاتها تمهيداً للاستحقاق الإنتخابي المُقبل، علّها تنجح بشد عصب الشارع من جديد وهذا الاحتمال الأوفر حظاً اليوم بدليل أن ارتفاع الدولار مستمر، إلى جانب غياب الطاقة اللازمة والغلاء الجنوني، لكنهم لم يُحرّكوا ساكناً كما حرّكت ضريبة الـ 6 دولارات على واتساب في 17 تشرين الأول 2019!

كيف سنتمكن من العيش؟

وللحديث عن آخر المستجدات الاقتصادية وانعاكسها على الشعب، وللاستفسار أكثر عما إذا كان هناك أي حل قريب يلوح في الأُفق، يؤكد الخبير والباحث الاقتصادي أنيس أبو دياب لـ”لبنان الكبير” أن “سعر تنكة البنزين مع تنكة مازوت يساوي الحد الأدنى للأجور (675 ألفاً)، وهذا الأمر يكفي لوضع هذه السلطة السياسية بكاملها في قفص اتهام عدم محاولة الإصلاح، لأنه حتى البطاقة التمويلية التي كان يجب أن تصدُر منذ شهر حزيران 2021 تم تأجيلها إلى شهر أيلول قُبيل تشكيل الحكومة الجديدة، ولم تُطلق بعد، فعلى الأقل هذه الحكومة يجب أن تبقى مجتمعة 24/24 ساعة لحل الأزمات الكارثية التي تحيط بنا من كل حدب وصوب”.

ويتابع: “تنكة البنزين تخطت الـ 300 ألف ليرة، ربطة الخبز أصبحت بـ7 آلاف ليرة، وغداً لن يقل سعر الربطة الواحدة عن 9 آلاف ليرة لأن أغلب المواد الغذائية تعتمد في إنتاجها على المحروقات في الباب الأول، أو على الغاز الذي أصبح سعره 230 ألف ليرة، إضافة إلى انقطاع شبة كُلي للطاقة الكهربائية، فكيف سيتمكن الشعب من العيش اليوم؟ سؤال يجب على السلطة السياسية الإجابة عليه بما يعود بالفائدة علينا”!

نحتاج إلى وصاية دولية!

وعن إهمال السلطة وعدم قيامها بواجبها الذي ينبغي أن يُعالج ولو بعضاً من دهاليز هذه الأزمة، يقول: “هذه الحكومة طفت على “شبرٍ” من المياه مع بداية تشكيلها وتراجع سعر الصرف إلى 13 ألف ليرة، ولم تتخذ أي إجراء إصلاحي، وبالتالي كما هو معلوم للجميع أننا بدأنا مفاوضات مع صندوق النقد، وما زلنا نتخبط مع شركة التدقيق البريدي من دون معرفة ما هي خطة إعادة النهوض الاقتصادي، وصوت الاتحاد العمالي العام بلا صدى على الأرض، وأساساً لا يُمثل فعلياً شرائح العمَّال”.

ويأسف أبو دياب في ختام حديثه على حال الشعب ويتخوّف من الآتي الأعظم: “صحيح أن الأزمة كبيرة في لبنان، لكن المشكلة الأكبر تتمثل في الشعب الذي لم نعد نراه يُحرك ساكناً تجاه كل التطورات الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تواجهنا بعد انتهاء فترة الانتفاضات على ضريبة الواتساب، فنحن أيضاً نتحمل مسؤولية وصول الوضع إلى هذا الحد، حتى ذكرى 17 تشرين مرّت مرور الكرام، والواضح أن المشكل اليوم هو في السياسة، وكل السياسيين يحاولون الاستثمار في الملفات الاقتصادية والاجتماعية استعدادا للانتخابات النيابية المقبلة، وللأسف تنتظرنا مرحلة أصعب لأننا مقبلون على شدّ العصب الطائفي والمذهبي على الملفات الإقتصادية، وإذا لم نشهد تحركاً سريعاً للسلطة السياسية رُبما نحتاج عندئذ لوصاية دولية”.

معاناة الناس

ويشكو أحد سائقي التاكسي في بيروت أبو محمد شقير من سوء الأوضاع التي أوصلتنا إليها هذه السلطة، ويقول إن “الكثير من الناس لم يتمكنوا دفع أُجرة السرفيس منذ تخطت تسعيرتها الـ 10 آلاف ليرة، وعلى الرغم من ذلك لا أرفض اليوم إيصال أي راكب إلى المكان الذي يريد ولو بالقليل، فبالنسبة لي أن أجني مبلغاً يُمكّنني من شراء تنكة البنزين أفضل من أن أجلس من دون عمل أو أن أدفع سعرها مني وبالتالي تُصبح خسارة بخسارة”!

الحال لا تختلف عند يونس، المجنّد في الجيش البناني، والذي يُفكر مراراً بتقديم تسريحه للخروج من السلك العسكري علّه يعمل براتبٍ أفضل، ويقول: “راتبي أصبح يساوي 4 تنكات بنزين، حتى أنني لستُ مثبّتاً بعد، وخروجي من السلك أفضل بكثير من وجودي داخله بسبب الأعباء الحياتية والمعيشية المستجدة، لكن مشكلتي أنني لم أُكمل دراستي، ولا مصلحة في يدي، وبخروجي من هذا العمل يعني الهلاك لي ولعائلتي، سأصمد وليكُن الله معنا”.

الصمود أفضل من الاستسلام!

وفي ظل كل هذه الصعوبات التي يعانيها لبنان، تتخوف المُرشدة والناشطة الاجتماعية حنان عراجي من تفاقم الأزمة وتشير إلى أنه ” كلما زادت الضغوط المعيشية على الأفراد أدّت إلى انعزالهم عن مجتمعهم، وبدأنا نلمس ذلك في حياتنا اليومية، فمن اعتاد زيارة أصدقائه أسبوعياً أصبحت الزيارة شهرية، ومن كان يُخصص عطلة نهاية الأسبوع لمشروع ترفيهي معين اضطر إلى إلغاء هذه العادة، ويعود ذلك إما لتوفير البنزين بسبب الغلاء الجنوني، أو عدم توافره أساساً، أو لعدم إحراج الآخر بالزيارات كي لا يتكلف بشيء على الضيافة، وغيرها من الأسباب التي تدور في فلكٍ واحد، وهو الوضع المعيشي الصعب”.

وتنصح في ختام حديثها الجميع بأنه “علينا إدارة حياتنا ضمن المستطاع حتى نتمكن من مواجهة هذه الصعوبات، لأن الحل يبدو بعيداً، وأُدرك أن رواتب جميع الموظفين لا تكفي قوتهم طوال الشهر، لكن الاستمرار في العمل يبقى أفضل بكثير من الاستغناء عنه من دون إيجاد البديل”.

شارك المقال