القطاع الخاص: يتيم الدعم ورهين المواقف

هدى علاء الدين

يعاني القطاع الخاص تدهورات بنيوية جراء الأزمات المتلاحقة التي تعصف به، إذ تُقدّر خسائره المالية بمليارات الدولارات، في ظل هبوط مستمر لكافة مؤشراته وانعدام البيئة الاستثمارية وغياب أي من الحوافز التي تنهض به من جديد. محاولات حثيثة من أجل دعم هذا القطاع تُجرى على قدم وساق، آخرها زيارة الوفد الاقتصادي برئاسة رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير إلى سلطنة عُمان. وعن تفاصيل هذه الزيارة ومضمونها والتحديات التي تواجه القطاع الخاص وكيفية إعادته إلى الخريطة العربية والخليجية، كان لموقع “لبنان الكبير” حديث مع رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق الموجود مع الوفد اللبناني.

حوافز عُمانية وإعفاءات ضريبية

التمس وفد الهيئات الاقتصادية الذي زار سلطنة عمان الأسبوع الماضي، لدى لقائه بالمسؤولين المعنيين والوزراء المختصين العمانيين ترحيباً حاراً لناحية استقبال اللبنانيين الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة من أجل زيارة السلطنة، واستقبال رؤوس الأموال والاستثمارات اللبنانية خصوصاً في القطاعات الصناعية كصناعة المواد الغذائية والصناعات الزراعية والفرانشايز وقطاع السياحة وتكنولوجيا المعلومات. وعن الحوافز التي ستُمنح للبنانيين، أشار رزق إلى أن اللبناني بإمكانه أن يحصل على استثمار أجنبي 100 في المئة، فضلاً عن إعفاءات ضريبية لمدة خمس سنوات في المدن الصناعية المتوافرة والمدن الحرة. كذلك سيتم منح أراضٍ بأسعار مخفضة جداً كتشجيع للصناعات اللبنانية التي سيحق لها تصدير إنتاجها إلى المملكة العربية السعودية وأسواق الدول الخليجية والأسواق الأميركية والقارة الأفريقية من دون أي عوائق جمركية نظراً للاتفاقيات الموقعة بين سلطنة عمان والولايات المتحدة الأميركية.

ثلاثة عوامل رئيسية للثقة

بحسب رزق، إن إعادة الثقة في القطاع الخاص بلبنان بحاجة إلى ثلاثة عوامل رئيسية غير متوافرة حالياً تتمثل في الاستقرار السياسي، الاستقرار الأمني، والاستقرار المالي والنقدي الذي يُعد من أهم العوامل لا سيما أن الفروقات في سعر الصرف ووجود أكثر من سعر في الأسواق ولأكثر من غاية وهدف، سببت عوائق كثيرة أمام الصناعيين اللبنانيين الذين يواجهون اليوم تحدياً كبيراً يكمن في عدم قدرتهم على تصدير المواد الغذائية إلى المملكة العربية السعودية وارتفاع كلفة الإنتاج لناحية الكهرباء والفيول الذي تحتاجه هذه الصناعات. هذا إضافة إلى انعدام الثقة في القطاع المصرفي والتي شكلت ضربة قاسية وموجعة للقطاع الخاص.

العلاقات اللبنانية-الخليجية

وعن كيفية إعادة العلاقات اللبنانية الخليجية إلى طبيعتها، اعتبر رزق أن العامل الرئيس يكمن في وجود سياسة واضحة لدى الحكومة اللبنانية والقوى السياسية الموجودة في السلطة، تتخذ مواقف غير عدائية تجاه دول الخليج، لا سيما تجاه قيادات المملكة العربية السعودية، وما شهده لبنان مؤخراً من هجوم لاذع من أحزاب وقوى سياسية ممثلة بالحكومة والسلطة، تُعرّض بموجبها أمن دول الخليج (خصوصاً السعودية والإمارات) للاهتزاز، خصوصاً وأن هناك أحزاباً وقوى سياسية تتهمها دول الخليج بأنها تساعد الحوثيين في ضرب أهداف استراتيجية لها. ومن جهة أخرى، يقول رزق: “صحيح أنه تم التوقيع على اتفاق الطائف بعد انتهاء الحرب الأهلية وتم فيه تحديد هوية لبنان العربية، إلا أنه لم يتحدد ما هو دور لبنان. واليوم علينا السؤال: هل بإمكان لبنان أن يكون أكبر قوة سياسية في المنطقة؟ الجواب، بالطبع لا. هل بإمكان لبنان أن يكون أكبر قوة عسكرية في المنطقة، الجواب أيضاً لا. لكن هل بإمكان لبنان أن يكون أكبر قوة اقتصادية في المنطقة، الجواب هنا: نعم ثم نعم ثم نعم”. ووفقاً لرزق، فإن هذه هي المشكلة الكبيرة، إذ يوجد اختلاف عمودي وأفقي بين مختلف القوى السياسية على دوره، مشيراً إلى أنه لا يُمكن للبنان أن يكون له دور اقتصادي وأن يجذب الاستثمارات في ظل وجود فريق سياسي آخر يريد إقحامه في الأزمات الخارجية وأخذه رهينة للتدخل في رمال متحركة في المنطقة ولمصلحة دولة إقليمية أخرى على حساب مصلحة اللبنانيين.

واقع القطاع اليوم

يرزح القطاع الخاص اليوم تحت أعباء ثقيلة، ناهيك بأزمة كورونا التي تسببت بانهيارات اقتصادية على المستوى العالمي وفي كبرى الدول وبخاصة في ما يتعلق بتراجع أسعار النفط، إلا أن وجود قيادات حكيمة عكفت على إيجاد الحلول عبر سياسات حكومية ساعدت القطاع الخاص في تلك الدول. أما في لبنان، فإن هذه السياسات ليست موجودة للأسف، والقطاع العام والسلطة الحاكمة وأركان الدولة يتصرفون وكأن ليس هناك أي مشكلة، مشيراً إلى أن القطاع الخاص متروك وحده وأصبح يتيماً علماً أن القطاع العام دائماً ما كان يهدر كل ما يُنتجه القطاع الخاص، بحيث إن جميع إيراداته هي من خلال ما يُجنيه من ضرائب ورسوم من القطاع الخاص. وهنا يقول رزق، ليس صحيحاً ما يُشاع حول أن اقتصاد لبنان هو اقتصاد ريعي، لأن الدولة في الاقتصاد الريعي تمتلك حصةً من النفط والغاز والذهب والموارد الطبيعية والأولية التي يأتي منها الدخل لتُنفقها على القطاع الخاص. ولكن في لبنان ليس كذلك، لأن جميع موارده تأتي من تحويلات المغتربين والقطاع الخاص والاستثمارات، بحيث يتم هدر الرسوم المحصّلة عبر إنفاقها عشوائياً دون القيام باستثمارات تولد أرباحاً وعوائد مالية، بل تذهب محاصصات وصفقات وفساد، الأمر الذي أدّى إلى وجود خلل في تركيبة الاقتصاد. وبحسب رزق، فإن الإدارة الجيدة تجعل من الشركة الخاسرة رابحة، في حين تجعل الإدارة السيئة من الشركة الرابحة خاسرة. وانطلاقاً من هنا، يمكن اعتبار لبنان دولة رابحة بسبب امتلاكه للمقومات اللازمة، لكن للأسف إدارته السياسية سيئة جداً ولا تمتلك اليوم الرؤية المطلوبة لمواجهة التحديات، لافتاً إلى أنه ليس مهماً حجم التحديات، بقدر ما هو مهم وجود رجال دولة على مستوى وحجم تلك التحديات، وهذا ما يفتقده لبنان.

يحتاج القطاع الخاص إلى الأخذ بعين الاعتبار أهمية إعادة الانتشار والتموضع في دول مجاورة كي يتمكن من المقاومة اقتصادياً ومساعدة لبنان المقيم على الصمود، مع وجود العديد من الدول التي تفتح أمامه مجالات الاستثمار وتمنحه بيئة استثمارية حاضنة ليتمكن اللبناني من التفوق والإبداع والتميز ورفع اسم لبنان عالياً أينما وُجد، على عكس القوى السياسية الحاكمة في لبنان التي تنزع سمعته وصيته وتؤثر سلباً عليهما.

شارك المقال