٢٠٠ مليون دولار… خسارة لبنان سنوياً

هدى علاء الدين

لم تفعل حكومة “معاً للإنقاذ” أي شيء من أجل الإنقاذ حتى اليوم. فالشعار الذي اتخذته تحوّل بفعل الممارسات اللامسؤلة والتصريحات العدائية إلى حكومة “معاً للانهيار”، ليغرق لبنان من جديد في عزلة سياسية واقتصادية، بعدما قررت دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة معاملة لبنان بالمثل، فكان سحب السفراء وإيقاف الواردات اللبنانية خطوة أولى قد تليها خطوات أكثر إيلاماً، بحيث لن يكون لبنان قادراً على تحمل تبعاتها وانعكساتها.

وفي تعليق له حول الأزمة اللبنانية-الخليجية، اعتبر المحلل الاقتصادي باسل الخطيب في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن لبنان الذي بقي منتظراً أكثر من عام من أجل تشكيل حكومة، كان يأمل أن يكون هذا الانتظار مجدياً من خلال حكومة قادرة على إنقاذه من الأزمات الغارق بها والحد من الإنهيار الشامل الذي أصاب كافة ركائزه، عبر خلق حلول لمعالجة المعضلات الإقتصادية والسياسية التي تعصف به والعمل على ترميم العلاقات مع الدول العربية، وخصوصاً الدول الخليجية التي لطالما كانت الداعم الأول والسباق للبنان وللبنانيين بالسراء والضراء. ولكن ما تم اكتشافه لاحقاً، أن باكورة أعمال هذه الحكومة كان التخريب، بحيث لم تقم بأي خطوة إيجابية، بل على العكس زادت من التخريب وعمّقت من تداعيات الأزمات، وعوض أن تكون أولوياتها إعادة الحياة والنبض لعلاقات لبنان وترميمها مع الدول الشقيقة، لجأت إلى تعقيدها في مشكلة جديدة لم يكن لأحد أن يتوقع حصولها، آملاً أن يكون ما حصل غيمة صيف على لبنان وأن تمر بسلام دون أي أضرار جسيمة.

وعما إذا كانت هذه الخطوة مقصودة من قبل لبنان الرسمي في المضمون والتوقيت، يعتقد الخطيب ذلك لأنها تخدم مشروعاً خارج إطار مشروع الدولة، مشيراً إلى أن خسارة لبنان من هذه الأزمة ستكون كبيرة، على الرغم من أن دول الخليج ستبقى حاضنة للجالية اللبنانية المقيمة والعاملة على أراضيها، لكن توقف العلاقات مع لبنان من خلال سحب السفراء، وفي حال لم يقم لبنان بخطوة تصلح الحال والخطأ الذي ارتكب مع الدول الخليجية واخره تصريح القرداحي، فقد يستتبع ذلك توقف حركة الملاحة والطيران، وتوقف تحويل الأموال، ووقف الصادرات والتبادل التجاري ما سينعكس سلباً على المزارعين والتجار والصناعيين خصوصاً الصناعات الغذائية التي تُشغّل العديد من المهن المرافقة لها، لاسيما وأن 55 في المئة من صادرات لبنان تذهب إلى دول الخليج.
وبالأرقام، ستتجاوز الخسارة الـ 92 مليون دولار جراء منع المنتجات الزراعية اللبنانية من الدخول إلى السعودية أو المرور من خلالها، أي ما يوازي 250 ألف دولار يومياً. أما لناحية حجم الصدرات الزراعية اللبنانية السنوية التي سوف تتأثر بالقرار السعودي، فتبلغ حوالي 173 ألف طن، وذلك بحسب الأرقام الصادرة عن جمعية المزارعين والجمارك. فالصادرات الزراعية التي تذهب إلى المملكة العربية السعودية ومن ثم تُصدّر إلى دول أخرى تخسر لبنان يومياً 400 ألف دولار أي ما يعادل 100 مليون دولار سنوياً، وفي حال أخدت بعض الدول المنحى نفسه، فإن الخسارة ستكون أكثر بكثير. هذا وسيتخطى حجم الخسارة الـ ٢٥٠ مليون دولار أميركي سنوياً في حال تم احتساب وقف واردات لبنان الزراعية والصناعية والغذائية وتحويلات الأموال والاستثمارات الخليجية فيه.

وعن الجالية اللبنانية المقيمة في دول الخليج، والتي تبلغ حوالي نصف مليون لبناني يحولون ما يحولون من أموالهم من الخليج إلى ذويهم في لبنان، يقول الخطيب إنه ليس مقبولاً بعد الآن أن يكونوا مكسر عصا، بسبب تصريحات من هنا وهناك تخدم أهداف أصحابها ومرجعياتهم السياسية، خاصة وأن هذه التحويلات التي تقارب الـ 8 مليار دولار سنوياً والتي يأتي نصفها من الخليج العربي دعمت اللبنانيين والاقتصاد بشكل رئيسي وما زالت حتى اليوم. فلبنان الذي يعتمد منذ سنوات على موردين رئيسيين هما السياحة (وأكثر السواح كانوا من الخليجيين) وتحويلات المغتربين (أكثرها من دول الخليج)، فضلاً عن الاستثمارات الخليجية والودائع المالية الخليجية التي تم إيداعها في المصرف المركزي في أزمات عديدة شهدها لبنان، هو بأشد الحاجة إلى عودة هذه العلاقات إلى طبيعتها وإلى هذه المبالغ المتأتية من عملية التبادل التجاري مع الدول الخليجية.

شارك المقال