الكويت تطالب بأموالها… وقرار سعودي جديد

هدى علاء الدين

تتفاعل تداعيات تأزم العلاقات السياسية اللبنانية-الخليجية يوماً بعد يوم، لتشهد المزيد من القرارات التي تؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني المنهار أصلاً، بحيث أصبح واضحاً أنه لم يعد من الممكن فصل المسار الاقتصادي لهذه العلاقة عن مسارها السياسي الذي بات يتحكم بكل مفاصلها. أسئلة كثيرة تراود اللبنانيين حول سقف القرارات التي قد تتخذها دول الخليج، وماذا إن صعدت في مواقفها لتطال أموالها في القطاع المصرفي وأموال المغتربين الذين يصل عددهم في المملكة العربية السعودية فقط إلى 250 ألف مقيم لبناني.

وقف التعامل مع لبنان

وفي هذا الإطار، أعلن رئيس اتحاد الغرف السعودية عجلان العجلان وقف جميع الشركات في المملكة تعاملاتها كافة مع الشركات والحكومة اللبنانية، مشيراً في تصريحات صحافية أن جميع الشركات في المملكة لن تتعامل مع أي شركة لبنانية أو أي قطاع اقتصادي في لبنان، كذلك مع الحكومة اللبنانية. واعتبر العجلان أن تبرير الحكومة للهجمات الإرهابية بالطائرات المفخخة على المملكة وشعبها ومكتسباتها الاقتصادية والاجتماعية، يعد أمراً غير مقبول من أي حكومة، واصفاً إيقاف التعامل التجاري مع لبنان من رجال الأعمال والشركات السعودية بأقل ما يمكن تقديمه للوقوف إلى جانب حكومة بلادهم وفي إطار الرد على التمادي في استهداف السعودية بتهريب المخدرات وتبرير الأعمال الإرهابية، بحيث سيشمل وقف التعاون جميع المستويات الاقتصادية والتجارية وكذلك الاستثمارية.

وبحسب العجلان، فإنه من غير المنطقي أن يستمر هذا التعاطي من الحكومة اللبنانية خصوصاً، وأن الحكومة السعودية تعاونت مع الجهات المعنية في لبنان لوقف هذه الأعمال حفاظاً على مصالح الشعب اللبناني، مشيراً إلى أن السعودية ومنذ عشرات السنوات، قدمت الدعم السخي للحكومة من أجل النهوض باقتصادها والرقي بشعبها، ولم تتغيب في أي موقف لدعم لبنان وشعبه.

وديعتان قيد الطلب

كشف ديوان المحاسبة الكويتي عن رفض مصرف “فرنسبنك” إعادة وديعتين من مؤسسة التأمينات بمبلغ إجمالي قدره 347 مليون دولار (الوديعة الأولى تبلغ 226.97 مليون دولار وتم إيداعها في 9 أيار 2018، في حين تبلغ الثانية 120.1 مليون دولار وتم إيداعها في 14 أيار 2018) مشيراً إلى أنه تم تجديد الوديعتين لأكثر من مرة وتخفيض نسبة الفائدة من 5.5 في المئة بتاريخ إنشاء الوديعة إلى 1 في المئة وهي نسبة منخفضة مقارنة لنسبة الفوائد التي تمنحها مصارف أخرى على الرغم مما يعانيه اقتصاد لبنان من تعثر وتدني تصنيفه الائتماني.

وبحسب صحيفة “الراي” الكويتية، فقد تعرضت هذه الأموال لمخاطر جسيمة جرّاء عدم تمكن المؤسسة من استرجاع الوديعتين رغم استحقاق آجالهما وضياع فرص استثمارية على المؤسسة نتيجة تعليق الوديعتين لفترة زمنية بسبب قرارات مجلس إدارة المصرف المركزي بعدم تحويل المبالغ المودعة بالعملة الأجنبية خارج لبنان وتخفيض نسبة الفائدة عند التجديد. هذا وطالب الديوان قيام المؤسسة بسرعة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاسترجاع مبلغ الوديعتين والفوائد المستحقة عليهما، وضرورة دراسة وتقييم المخاطر وتكوين المخصص اللازم في الوقت المناسب حتى تعبر البيانات المالية للمؤسسة عن مركزها المالي ونتائج أعمالها بعدالة.

يعاني لبنان اليوم ما هو أبعد من أزمة ثقة مع كل الدول العربية والخليجية الشقيقة، ففي قراءة سريعة لمسار هذه الأزمة التي أخذت منحى تصاعدياً لا سيما في السنوات الأخيرة، تُظهر أن اشتعال الصراعات والجبهات السياسية العربية وتوسع النفوذ الإيراني أسهم تدريجياً بشكل مباشر في تدهور العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي أدّى إلى انحسار الأموال من هذه الدول التي كانت تتدفق من خلال الاستثمارات (التي تُشكل دول الخليج مجتمعة ما قيمته 85 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في لبنان) والقطاع السياحي والفندقي والعقاري. اليوم، يعيش لبنان مرحلة من الانتظار والترقب لما ستؤول إليه الأمور، فالأسواق الخليجية التي تستقبل 26 في المئة من الصادرات اللبنانية لا يمكن استبدالها بأسواق أخرى على المدى القصير، والتبادل التجاري لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها مع دول بديلة والأموال الخليجية في حال تم استردادها من المصارف ستكون بمثابة الضربة القاضية للقطاع المصرفي. فكل المحاولات الحثيثة التي تُبذل في الساعات الأخيرة من أجل إيجاد بديل اقتصادي عن الخليج ستصطدم بعوائق سياسية كثيرة، فما بناه لبنان على مدار أعوام في عهد النهوض الاقتصادي والبحبوحة المالية لا يمكن أن يبنيه اليوم في عهد الانهيار وفي أزمة هو الحلقة الأضعف فيها.

شارك المقال