لبنان في طريقه للفشل والفقر إرث ثقيل

هدى علاء الدين

“لبنان دولة في طريقها للفشل، إن لم تكن فشلت بالفعل… المسؤولون يعيشون في عالم خيالي، وهذا لا يبشر بالخير بالنسبة إلى مستقبل لبنان”. بهذه الكلمات القاسية والموجعة، وصف مبعوث المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، حالة لبنان الميؤوس منها على وقع أزمات اجتماعية ومعيشية خانقة جعلت حوالى 60 في المئة من سكانه تحت خط الفقر الذي تشتدّ حدّته في ظل عدم اعتماد أي خطة تتضمن إصلاحات جذرية تخفّف من وطأة الجوع وقلة الموارد المالية في جيوب اللبنانيين.

ففي تصريح لافت، اعتبر المبعوث الأممي أوليفييه دي شوتر، أن مسؤولي الحكومة اللبنانية ليس لديهم أي شعور بضرورة التحرك العاجل أو العزم اللازم لتحمل مسؤولياتهم إزاء أزمة اقتصادية أدت إلى “إفقار شرس” للمواطنين. ففي حين يحاول السكان البقاء على قيد الحياة، تُضيّع الحكومة وقتاً ثميناً في التهرب من المساءلة وتجعل من اللاجئين كبش فداء لبقائها. دي شوتر الذي أدلى بتصريحاته إلى وكالة “رويترز” في ختام مهمة استمرت أسبوعين لدراسة الفقر في لبنان، عبّر عن اندهاشه من عدم تلبية حاجات السكان، إذ تسبب تقاعس الحكومة عن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة بحال بؤس شديد لدى سكان لبنان الذي كان ذات يوم منارةً تسترشد بها المنطقة وبلداً يتمتع بمستويات عالية في التنمية البشرية.

وبحسب المبعوث الأممي، فإن الخسارة الهائلة للثروة تكاد تكون غير مسبوقة، مشيراً إلى أن الخسائر في القطاع المصرفي اللبناني التي جرى تقديرها في خطة الحكومة لعام 2020 بنحو 83 مليار دولار يجب أن يتحملها المساهمون في المصارف وكبار المودعين، وليس المواطنين العاديين، متهماً السلطات اللبنانية بتدمير العملة الوطنية، وإدخال البلاد في مأزق سياسي، مما أدى إلى تعميق عدم المساواة وإغراق لبنان في فقر مدقع، مشدداً على أنّ الأزمة المصنّعة تدمّر حياة السكان الذين يتكبدون ضرائب تنازلية تصيب أشد الناس فقراً، مشدداً على أنّها كارثة من صنع الإنسان، استغرق صنعها وقتاً طويلاً، وستحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثه الناس جيلاً بعد جيل. دي شوتر الذي التقى خلال زيارته تسعة وزراء ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، لم يقدم أي منهم أي خطة موثوق بها لتخفيف حدة الفقر، إلا وكانت تعتمد على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية، لافتاً إلى أن الاعتماد على المعونة الدولية ليس مستداماً بل يضعف مؤسسات الدولة. كما عبّر عن ذهوله من التقصير في المسؤولية على أعلى مستويات القيادة السياسية ومن صدمته بانفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الأرض.

ورأى دي شوتر أن توافر نظام شامل للرعاية الاجتماعية كان من شأنه أن يخفف من آثار الأزمة لافتاً إلى أنه يجب على الحكومة أن تعطي الأولوية لوضع حد أدنى من الحماية الاجتماعية الشاملة، بما في ذلك التأمين ضد البطالة، ومستحقات الأطفال الذين أجبروا على ترك مدارسهم والعمل في ظروف غير آمنة، ومعاشات الشيخوخة والإعاقة، ومستحقات المرض والأمومة أو الأبوة، والتي كانت جميعها ستحمي العمال أثناء الإغلاق بسبب جائحة كورونا. كما شدد على ضرورة البدء في الإصلاحات ولا سيما في قطاع الكهرباء وضمان العدالة الضريبية، ودعم القطاعات المنتجة على غرار القطاع المصرفي غير المنتج، مشيراً إلى أن لبنان لديه فرصة لإعادة النظر في نموذجه الاقتصادي، إذ لن يؤدي الاستمرار في تحفيز نموذج فاشل قائم على الريعية وعدم المساواة والطائفية إلا إلى إغراق السكان أكثر في العوز. كذلك، طالب الحكومة اللبنانية بأن تكون قدوة وأن تكشف علناً عن جميع الإيرادات والحصص والمصالح المالية، وأن تخصّص الموارد لآليات المساءلة الحقيقية، ولا سيما أن صبر مجتمع المانحين بدأ ينفد معها ولن يصدّق التزاماتها بالإصلاح إلا إذا التزمت جدياً بمبدأ الشفافية. كما أوصى بضرورة دخول برامج الحماية الاجتماعية حيّز التنفيذ الفوري بعد تعليقها لأشهر وبزيادة الحد الأدنى للأجور وبضريبة على الثروة لمكافحة معدلات انعدام المساواة التي تُعد من بين الأعلى في العالم، على أن ينشر تقريره النهائي أوائل عام 2022.

على وقع فقر مدقع أصاب أكثر من نصف اللبنانيين وتوقعات للأمم المتحدة بأن يقع المزيد منهم في براثنه، وعلى الرغم من تحذيرات العديد من المنظمات الدولية والانسانية وارتفاع الأصوات والنداءات المحذرة، يحضر اليوم القول فقط ويغيب أي فعل جدي على أرض الواقع من أجل لجم معدلات ونسب الفقر التي تعدّت كونها مجرد أرقام وتحليلات لتصبح معاناة مدمرة على نطاق واسع تضع لبنان على منعطف خطير من المآسي التي ستتوارثها أجياله لسنوات طويلة مقبلة.

شارك المقال