“الإسكوا”: “مرحلة انتقالية” تُخرج لبنان تدريجياً من الأزمة

المحرر الاقتصادي

في آذار الماضي، جمعت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) لبنانيين من توجّهات متنوّعة في حوار للخروج من الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الراهنة، إذ سعى المتحاورون إلى تحديد خصائص وتداعيات الأزمة بكل أبعادها، بما في ذلك الأبعاد المؤسسية والحوكمية، لا سيما في ظل جائحة كورونا، وصياغة أرضيّة مشتركة تجمع توجّهاتهم وخلفياتهم ومواقعهم المتنوّعة لتقديم رؤية وخيارات اقتصادية واجتماعية وطرح سياسات محدّدة للخروج من الأزمة.

واليوم، طرحت “الإسكوا” ورقة منبثقة من هذا الحوار الوطني الاقتصادي والاجتماعي، حملت عنوان “الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية: خلاصات أولية ومقترحات للمعالجة”. وهي الثانية بعد ورقة أولى غطّت المحور الاجتماعي في لبنان، إذ يلاحظ الترابط بين محاور الورقتين، على اعتبار أنه لا يمكن تصوّر حل مستدام للأزمة الاجتماعية في لبنان من دون معالجة الأزمة المالية والمصرفية والنقدية.

اللافت أنّ الورقة التي تتضمّن عرضاً مفصّلاً لأبعاد الأزمة الاقتصادية، ومقترحات عملية لمعالجتها، تقترح للمرة الأولى أن تكون هناك “مرحلة انتقالية” للخروج التدريجي من الأزمة، مع تحديد ملامحها وخطواتها. بمعنى آخر، فإنّ المتحاورين يرون أنه لا بد من مرحلة انتقالية فعلية تنقل لبنان من الأزمة الراهنة ومن شبه الانهيار الشامل، إلى مسار الحلّ التدريجي للخروج من الأزمة واستعادة النمو والتنمية والاستقرار وفعالية مؤسسات الحكم ضمن مبادئ سيادة القانون والحق والعدالة الاجتماعية. وهذه المرحلة الانتقالية، التي اقترحها الحوار الوطني، يمكن أن تمتد لسنوات، ربطاً بالأوضاع والظروف والمعطيات الملموسة بمختلف مستوياتها، ولا بد أن تكون متعدّدة المكونات، وأن تتضمن مدخلاً مؤسسياً وحوكمياً كفيلاً بإزالة المعوقات المؤسسية والسياسية التي تعطل الولوج إلى طريق الحلّ، وقادراً على بث مناخات الثقة وتحفيز الجهات الفاعلة الاقتصادية والاجتماعية على تحمل مسؤولياتها والمشاركة في نهوض البلاد.

وتشمل المرحلة الانتقالية البعد السياسي والحوكمي والمؤسسي، إضافة إلى البعد الاقتصادي – المالي – المصرفي، والبعدين الاجتماعي والنفسي. ولا يمكن الشروع بها وبالإجراءات الفورية للخروج التدريجي من الأزمة، ما لم تتكوّن رؤية مشتركة أو اتفاق مجتمعي عام، ضمن الاطر السياسية والمؤسساتية، وفي إطار التمثيل المجتمعي الصحيح لكلّ المكونات والفئات الاجتماعية والمناطق.

وتعتبر المرحلة الانتقالية تأسيسية، والتعامل معها باستخفاف وعدم إيلائها الجدية الكافية، هو وصفة لفشل مؤكد. ويتكوّن مسار إدارة المرحلة الانتقالية من ثلاثة محاور، لا ينفصل أي منها عن الآخر: المحور السياسي، والمحور الاجتماعي الاقتصادي – المالي – النقدي – المصرفي، والمحور القانوني والقضائي. ويمثل احترام مبادئ العدالة القانونية والاجتماعية، واحترام وتطبيق بنود شرعة حقوق الانسان، عاملا ًأساسياً في نجاح المرحلة الانتقالية للخروج من الأزمة. ولا يمكن أن تبدأ إلا بتحديد الأطراف المعنية ودورها في المسؤولية عن الأزمة ونتائجها وتفاقمها. ويجب أن تبدأ بالاعتراف بالخطأ والمسؤوليات، وما ينتج عن ذلك من تحديد واضح ومعلن للخسائر، واتفاق على تقاسم الأعباء بعدالة، بين مختلف الأطراف والفئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالعدالة في توزيع الأعباء والخسائر هي شرط ضروري لنجاح المرحلة الانتقالية والخروج من الأزمة.

خلاصات واقتراحات

وينشر “لبنان الكبير” أهم الخلاصات والاقتراحات التي تمّ تبينها في الشق الاقتصادي – المالي النقدي:

– اعتبار المرحلة الانتقالية تدريجية مركبة وشاملة ومترابطة بالضرورة، وتشمل البعد السياسي والحوكمي والمؤسسي، إضافة إلى البعد الاقتصادي – المالي – المصرفي، والبعدين الاجتماعي والنفسي.

– احترام مبادئ العدالة القانونية والاجتماعية الذي يمثل ركناً أساسيا في نجاح المرحلة الانتقالية للخروج من الأزمة، والمساهمة في إعادة بناء النظام المجتمعي، المجتمع والدولة، على أسس العدالة الاجتماعية، وإرساء حكم القانون، وتحقيق استقلالية القضاء، وقيام المؤسسات الفاعلة التي تتمتّع بالمشروعية وثقة المواطنين، لتؤمن استعادة الاستقرار واستدامته.

– بناء رؤية مشتركة أو اتفاق مجتمعي عام، ضمن الأطر السياسية والمؤسساتية، وفي إطار التمثيل المجتمعي الصحيح لكلّ المكونات والفئات الاجتماعية والمناطق، يقوم على المبادئ العامة الموجهة لنسق التنظيم القتصادي والاجتماعي والمؤسسي، وعلى الأهداف التنموية المشتركة للبلاد.

– بدء المرحلة الانتقالية بالاعتراف بالأخطاء والمسؤوليات، وفي ضوء ذلك تحديد الخسائر بشكل واضح ومعلن، والاتفاق على تقاسم الأعباء بشكل عادل بين مختلف الأطراف والفئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

– إقرار القطاع المصرفي والمصرف المركزي والحكومة ومختلف الأطراف المعنية بالمسؤولية عن الأزمة الحالية، لأنّ ذلك يساعد على فهم العوامل التي أدت إلى التداعيات الراهنة، وفي التأسيس لمواجهتها وعدم تكرارها.

– إعادة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من خلال بلورة رؤية ومشروع إصلاحيين يراعيان المصالح الوطنية ومصالح الفقراء والطبقات الوسطى، وتشكيل وفد مفاوض كفوء وموحّد وغير منحاز اجتماعياً، للتوصّل إلى اتفاقات تكون أكثر فائدة للبنان وشعبه.

– إعادة هيكلة وإصلاح القطاع المصرفي وتعديل قانون النقد والتسليف على نحو يضمن استقلالية مصرف لبنان تجاه السلطة التنفيذية ضمن القانون واستقلالية الهيئات التابعة للمصرف وأعضائها، بعيداً من المحاصصة الحزبية، ويعزز منظومة الحوكمة والشفافية والرقابة والمساءلة الداخلية والخارجية لمصرف لبنان والمصارف التجارية.

– إحداث تحوّل جذري في النموذج الاقتصادي المتّبع، من خلال زيادة فعالية أجهزة الدولة والادارات الحكومية، ومعالجة الاقتصاد الريعي، ووضع مرتكزات التحول إلى اقتصاد منتج وتضميني ذي قدرات تنافسية محدّدة وفقاً لمعايير علمية.

– وضع خطة واقعية للنهوض الاقتصادي ودعم القطاعات الإنتاجية، على الرغم من محدودية الإمكانات المتاحة، وخصوصاً دعم الصناعة، لا سيما منها القائمة على المعرفة والمشغلة للمهارات العالية، وتعزيز التكامل الأفقي بين القطاعات الصناعية والزراعية والسياحية والخدماتية، ووضع خطة وطنية للنقل العام، وتحفيز القطاعات الاستراتيجية ذات القدرة التنافسية والواعدة.

– ضبط العجز في الموازنة عبر تحفيز الإيرادات من خلال الإصلاح الضريبي، ولا سيما بإقرار قانون للضريبة الموحّدة والتصاعدية على الدخل، بشكل لا يؤدّي إلى مضاعفات سلبية تعطّل تحقيق الأهداف على قاعدة العدالة، وعبر تحسين كفاءة الانفاق، ووضع خطّة لتحرير الاقتصاد من الدولرة بشكل متدرج ومستقر.

– ضبط سعر صرف الليرة والعجز في الحساب الجاري.

– ترشيد الإنفاق العام من خلال إصلاح شامل لقطاع الكهرباء والطاقة.

– معالجة قضيتي الفقر والعمالة، ووضع خطة شاملة لتحقيق التوازن بين أكلاف المعيشة ومستوى مداخيل المواطنين.

– تطوير وبناء قطاع عام فعال وكفوء، وتعزيز قدرته على التدخل من خلال وضع سياسات عامة تراعي مبادئ التنمية والحقوق والتضمين وكل مبادئ الحوكمة الرشيدة.

– وضع الخطط وتنفيذها وإصدار التشريعات والآليات التنفيذية الضرورية لإدارة المرحلة الانتقالية وضمان الخروج من الأزمة وعدم تكرارها.

شارك المقال