المصانع اللبنانية… تلتقط أنفاسها الأخيرة!

جنى غلاييني

لا شيء يضاهي حجم الانهيارات التي أغرقت لبنان في مستنقع الخراب والفوضى، وباتت عبارة “كل مين إيدو إلو” تعبّر عن الصورة الحقيقية للبلد الذي كان يوماً “سويسرا الشرق”، حتّى وصل إلى مرحلة الشّلل الكلّي. فبعدما كان صامداً بمقومات استمراره من القطاعات الاقتصادية، أصبح بالكاد يلتقط أنفاسه الأخيرة من قطاع معلّق على خيط رفيع قد يُقطع في أيّ لحظة.

القطاع الصناعي هو آخر ما تبقّى من حطام خلّفتها المنظومة السياسية، مكدّسةً فساداً لن يزول إلاّ بعد حين، وعلى ما يبدو أنّ هذه المنظومة “حالفة يمين” أن تكمل مهمتها لتقضي على كل القطاعات وآخرها قطاع الصناعة الذي يحمل البلد على قدم واحدة. فهل أصبحت صناعة المواد الغذائية هي الأساس في القطاع الصناعي؟ وماذا عن باقي الصناعات؟

في هذا الصّدد، يلفت رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت على البلد، كانت إيجابية بالنسبة إلى القطاع الصناعي فقط، والسبب يعود إلى الازدياد في الطلب المستمر على استهلاك المنتجات الوطنية، مما أثّر بشكل إيجابي في صناعة المواد الغذائية تحديداً”.

ويضيف: “أثبتت الصناعة الوطنية جودتها، إذ كان لبنان يستورد ألباناً وأجباناً بنحو 350 مليون دولار في السنة، لكن الفاتورة انخفضت بنسبة 80% بعدما تصدّرت المصنوعات الوطنية المماثلة لها الأسواق اللبنانية وأصبح المستهلك يفضّلها على المنتج الأجنبي”.

ويستطرد: “لكن ظهرت المشكلة بعد قرار مقاطعة المملكة العربية السعودية استيراد البضائع اللبنانية، إذ شكلت خضّة قوية للقطاع الصناعي، مما أدّى إلى زعزعته. كانت السعودية المستورد الأساسي والأوّل لصناعتنا، لذا إذا لم تتحسّن العلاقات بيننا وبينها فستحلّ الكارثة على الصناعة الوطنية، وبالفعل فقد بدأت تداعياتها تظهر بهجرة عدد من المصانع إلى الخارج، فالمصنع الذي يغادر الأراضي اللبنانية لا يعود”.

ويتابع شقير: “صحيح أنّ لبنان لا يصدّر إلى الخارج بنسبة كبيرة، لكنه من الدول القليلة التي تصدّر العديد من الأنواع، كما تعتمد صادراتنا بالدرجة الأولى على المواد الغذائية، بفضل الثقة بالمنتج اللبناني والذي تعوّدت عليها الدول الخليجية المستوردة له”.

وعن باقي الصناعات اللبنانية ودرجة صمودها، يقول: “لدينا مصانع قوية جدّاً لها علاقة بتصنيع المولّدات الكهربائيّة لكون لبنان يعاني من مشكلة كهرباء عمرها 30 سنة. كما لدينا صناعة المجوهرات التي تأخذ حيّزاً مهماً من الاهتمام والمتانة، بالإضافة إلى بروز مصانع المواد الكيميائية والتي تأخذ مجالاً مهمّاً في صادراتنا، علماً أنّ صناعة الخدمات في لبنان أكبر بكثير من الصناعات التقليدية المذكورة”.

ويشدّد شقير على أنّ “الأسواق تحاول تنظيم نفسها، لكننا بتنا نكتشف أنواع بضائع أجنبية شعبية جدّاً وليست كسابقاتها، إذ أصبح استيرادنا يعتمد على أصناف غير معروفة ورخيصة نوعاً ما، هذا ما يؤدّي الى رفضها من قبل المستهلك اللبناني لأنه معتاد على أجود الأنواع وألذّها”.

من جهة أخرى، يقول صاحب “معامل البساط” في صيدا منير البساط أنّ “مصدر المواد الأولية للصناعة الوطنية تتّكل بشكل عام على الزراعة بالدرجة الأولى، لكن ليست كل المواد الأولية موجودة في لبنان، بل نعتمد في صناعاتنا أيضاً على استيراد هذه المواد، بالإضافة إلى مواد التعليب والتغليف”.

ويتابع: “بالمجمل، من الطبيعي أن ترتفع أسعار المنتجات الوطنية لكونها تستورد موادها الأولية من الخارج وبالدولار. كل المكوّنات التي تشغّل المصانع اللبنانية غير مدعومة، من محروقات إلى مواد أوّلية وغيرها، وكل مصنع لديه استراتيجية بتسعير السلعة الخاصّة به معتمداً على المبالغ التي دفعها لإنتاجها من كل النواحي، دارساً الأرباح التي يريد أن يكسبها منها، وهذا ما يرفع أسعار المنتجات الوطنية في الأسواق”.

ويؤكد البساط أنّ “معظم الشركات الصناعية أصبحت تتخلّى عن نسب من هوامش ربحها لكي يبقى سعر السلعة مقبولاً بالنسبة للمستهلكين”، مشيراً إلى أنّه كصاحب معامل يعتمد على إبقاء أسعار منتجاته معقولة نسبةً لبقية المنتجات التي أصبحت تقارب أسعارها قيمة المنتجات المستوردة.

وفي هذا الخصوص، يلفت إلى أنّ “هناك بعض المنتجات المستوردة من بعض الدول العربية ومن تركيا تكون أسعارها مناسبة لجيبة المواطن لكونها معفاة من الجمرك ولكون المحروقات لدى هذه الدول مدعومة جدّاً، أمّا في لبنان فلا دعم عليه و(كل يوم بسعر شكل)، وبدلاً من تشغيل الموتيرات 3 ساعات نقوم بتشغيلها 30 ساعة، لذا لم يعد هناك إمكان للتنافس. أمّا المنتجات التركية المستوردة فموضوعها مختلف لأنها تحظى بحماية جمركية، والمقصود أنّ الدولار الجمركي لا يزال يسعّر على الـ1500 ل. ل. مما يعني أنّ صنفاً ما إذا كان عليه حماية جمركية بنسبة 30% مثلاً، فيصبح كأنّ عليه 3%، أي تقريباً لا حماية جمركية عليه”.

حول توقف السعودية عن استيراد المنتجات اللبنانية، يقول البساط: “إنها ضربة كبيرة للصناعة البنانية، بخاصّة صناعة المواد الغذائية، وأنّ هذه المقاطعة حاصلة منذ فترة، لكناإنضمت إليها البحرين حالياً. هذه المقاطعة لا تؤثّر في كلفة السلع الغذائية، بل من الممكن أن تؤثّر في زيادة نسبة البطالة إذا كانت هناك مصانع تخصّص نسباً كبيرة من أرباحها في التصدير لتلك الدول. وفي حال خسرت تلك النسب، فقد تلجأ إلى تسريح فئة كبيرة من عمّالها، وقد تعمد في بعض الأحيان إذا لم يصرّف إنتاجها إلى توقيف الإنتاج كلّياً”.

ويختم البساط لافتاً إلى “وجود مشكلة كبيرة لم تكترث لها الدولة حتّى الآن وهي تخطيط الكثير من أصحاب المصانع لنقل خطوط إنتاجها إلى الخارج”.

شارك المقال