في 25 تشرين الثاني 2021، زار نائب رئيس الحكومة رئيس اللجنة المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، سعادة الشامي، قصر بعبدا ليبلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ المفاوضات التقنية مع صندوق النقد الدولي “انتهت تقريباً”، وأنّ لبنان “دخل في مرحلة المفاوضات على السياسات النقدية والاقتصادية كي نبدأ بالتفاوض جدياً مع فريق الصندوق الذي نأمل ان يزور لبنان قريباً”. لكن مصادر مطّلعة على الملف أكدت لـ”لبنان الكبير” عدم دقة هذا التصريح، مشيرة إلى أن المفاوضات التقنية لم تنجز بعد نهائياً للانتقال الى المرحلة الثانية المتعلقة بالتفاوض على السياسات النقدية والاقتصادية.
فالتحدي الأساسي اليوم يبقى تحديد خسائر القطاع المالي ولا سيما مصرف لبنان والمصارف التي تعتمد مقاربة مختلفة كلياً عن تلك التي وضعتها شركة “لازارد” في الخطة السابقة للتعافي المالي والاقتصادي وترفض إعادة هيكلتها، فيما لا حل إلا بهذا الإجراء لتنظيف القطاع حتى يستعيد دوره في خدمة الاقتصاد ونموه.
وتفترض إعادة هيكلة المصارف حصول عمليات دمج من أجل تقليص عددها الهائل، وزيادة رساميلها وتعديل حصصها. ويصار الى مراقبة حسن تنفيذ هذه العملية وتحديد خسائر كل مصرف ومن ثم الطلب منه ضخّ رأس المال الضروري لبقائه. واذا فشل، فعندها توضع اليد على أسهمه ويدمج مع مصرف آخر.
ونذكّر بالتقرير المهم الذي نشره “غولدمان ساكس” العالمي أواخر أيلول الماضي بعنوان “وضع خطة لتعافي الاقتصاد اللبناني” وتحدث فيه عن أن تسوية الخسائر في النظام المالي سيكون التحدي الأول الذي تواجهه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وقدّر التقرير أن الالتزامات بالعملة الأجنبية في القطاع المصرفي تبلغ 70 مليار دولار مقابل 13 ملياراً احتياطيات قابلة للاستخدام لدى المصرف المركزي. وهو الأمر الذي استتبع رداً من رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير الذي قال إن تقرير “غولدمان ساكس” يكشف “قلة معرفة بالاقتصاد اللبناني، واعتمد على نموذج موحّد لا يمكن تطبيقه على الطابع الخاص بواقع المالية العامة اللبنانية، وإنه لا يمكن تحديد الخسائر قبل أن تضع الحكومة خطة إصلاحات بالاتفاق وبدعم من برنامج صندوق النقد الدولي”.
وتقول المصادر إياها إن كل التصريحات التي تستهدف طمأنة المودعين على سلامة ودائعهم لا تركن إلى أرضية متينة ولا يمكن أن تكون جدية في الوقت الذي لم يتم تحديد الخسائر المالية وتوزيعها بشكل عادل وجاد.
وفي آخر الأرقام المتوافرة، فإن مجموع الودائع المصرفية التي تشكل الودائع لأجل وتلك تحت الطلب، وصلت الى 142.6 مليار دولار في نهاية أيلول 2021، بتراجع 8.6 مليارات دولار او 5.7 في المئة عما كانت عليه نهاية العام 2020، اي 151.2 مليار دولار. وتشمل الودائع الاجمالية ودائع القطاع الخاص البالغة 132.5 مليار دولار، وودائع القطاع العام التي باتت تبلغ 5.2 مليارات دولار وودائع المؤسسات المالية غير المقيمة البالغة 5 مليارات دولار. مع الاشارة الى أن هذه الارقام احتسبت على أساس سعر الصرف الرسمي اي 1507.50 ليرة.
وبلغت الودائع لأجل بكل العملات 92.3 مليار دولار في نهاية أيلول 2021، بتراجع 16.9 مليار دولار أو 15.5 في المئة من 109 مليارات دولار نهاية العام 2020. وقد شكلت 64.7 في المئة من مجمل الودائع بالليرة وبالدولار في نهاية أيلول مقابل 72.2 في المئة نهاية العام 2020.
ومن أسباب تراجع الودائع لأجل، عمليات السحب المستمرة وتحويل الودائع من صيغة “لأجل” الى ودائع تحت الطلب.
وبلغت الودائع لأجل بالعملات الاجنبية للقطاع الخاص 51.9 مليار دولار أي ما يمثل 36.3 في المئة من مجموع الودائع في نهاية أيلول 2021.
في المقابل، بلغت الودائع تحت الطلب بكل العملات 50.3 مليار دولار وبزيادة 8.3 مليارات دولار او 20 في المئة من 42 ملياراً نهاية العام 2020.