الدائنون يتحرّكون ضدّ لبنان

هدى علاء الدين

أكثر من عام ونصف عام مرّ على تخلّف لبنان عن سداد ديونه، بعدما علّقت حكومة حسان دياب سداد استحقاق 9 آذار 2020 من سندات اليوروبوندز والبالغة قيمتها 1.2 مليار دولار. ولا يزال ملف التفاوض مع الدائنين يراوح مكانه. فلبنان الذي استحق عليه حينها نحو 5.2 مليارات دولار، منها 2.5 مليارا دولار قيمة اليوروبوندز، و2.7 مليارا دولار فوائد مستحقة على أصل الدين العام، كان من المفترض أن يباشر فوراً بالتفاوض مع دائنيه لإعادة هيكلة ديونه من خلال وضع خطة شاملة ومتكاملة للتعافي المالي تأخذ “مباركة” صندوق النقد الدولي الذي يلعب دوراً رئيسياً في إقناع الدائنين الدوليين على تحسين شروطهم والقبول بشطب جزء كبير من استحقاقاتهم على لبنان خلال عملية إعادة الهيكلة.

في هذا السياق، نشر موقع Intelligence Online الفرنسي المتخصص بالشؤون المالية والاقتصادية، مقالاً حمل عنوان Lebanon’s Creditors Launch Argentinian-style Strategy against Beirut، يتضمّن معلومات تشير إلى اتّباع دائني الحكومة اللبنانية استراتيجية النمط الأرجنتيني للحصول على أموالهم، إذ يريد الدائنون بالليرة اللبنانية أن يكون لهم رأي في كيفية إعادة هيكلة ديون لبنان تزامناً مع بدء استعداد المحادثات بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، لا سيما أنّ عامل الوقت يشكل لهم نوعاً من القلق وعدم طمأنينة لما ستؤول إليه الأمور، ما دفعهم إلى توحيد قواهم وتفويض شركة White & Case لهذه الغاية، وهي شركة محاماة دولية تقع في نيويورك، وتُعد واحدة من أكبر عشر شركات للمحاماة في جميع أنحاء العالم من حيث الإيرادات، وعملت مسبقاً على إعادة هيكلة ديون الأرجنتين.

وفي هذا السياق، تشير مصادر مطلعة لموقع “لبنان الكبير”، إلى أنّ خطورة هذا الخيار يتمثل في قدرة المحاكم الأميركية على وضع يدها على الموجودات التابعة للدولة اللبنانية والحجز على أملاكها من الدائنين.

ووفق هذه المصادر، فإنّ لبنان الذي خطى خطوة ناقصة عندما تمنّع عن دفع ديونه من دون التفاوض مع الدائنين، لم يستغل بشكل جيّد فرصة تعثره التي كانت تُمكنه من الحصول على العديد من التسهيلات من أجل شطب جزء لا بأس به من ديونه، لا سيما تلك المقومة بالعملة الأجنبية، تماماً كما لم يستفد من انخفاض قيمة سنداته في الأسواق المالية العالمية. أما في ما يتعلق بالديون السيادية التي تمتلكها أطراف داخلية، فتُشكل النسبة الأكبر من هذه الديون، وترتبط ارتباطاً مباشراً بإعادة هيكلة القطاع المصرفي المتعثر أصلاً ويطرح العديد من التساؤلات حول قدرة النظام المالي على تحمّل هذه الهيكلة. ووفقاً لوكالة “إس آند بي غلوبال للتصنيفات الائتمانية”، فقد تُكلّف عملية إعادة هيكلة الديون القطاع المصرفي نحو 134 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 2021، بقيمة تراوح ما بين الـ 23 والـ 102 مليار دولار.

هذا وتتطلب عملية هيكلة الدين العام استراتيجية واضحة وخطة متكاملة تستطيع الحكومة من خلالها إقناع صندوق النقد بجدّيتها في تبنّي الإصلاحات اللازمة والشروع بتنفيذها، والعمل بنصيحة الصندوق الذي أكّد مؤخراً أنّ نجاح إعادة هيكلة الديون المحلية السيادية يعتمد على وضع آلية جيدة تجنّب إلحاق الضرر أكثر من النفع، وأن تكون جزءاً من حزمة سياسات أوسع تعالج بفعالية المشكلات الكامنة ونقاط الضعف المتعلقة بالديون تجنباً لاحتمالية التقاضي المكلف. من هنا، يبقى على لبنان ضرورة اتباع سياسة عادلة وشفافة في عملية الهيكلة وعدم التمييز بين الدائنين المحليين والدوليين وتحميل طرف دون الآخر الخسارة الكبرى.

الدين العام

ومع تعمّق الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية جراء تفاقم الأزمة السياسية التي تُهدد بشكل مباشر مسار المفاوضات مع الدائنين بعد تجميد العمل الحكومي، يشهد الدين العام ارتفاعاً ملحوظاً في قيمته التي أصبحت على مشارف الـ 100 مليار دولار.

فقد أظهرت إحصاءات جمعيّة مصارف لبنان، ارتفاع الدين العام الإجمالي بنحو 441.13 مليون دولار خلال تموز الماضي إلى 98.19 مليار دولار، مقارنة بـ 97.75 مليار دولار في حزيران.

أما على صعيد سنوي، فزادت قيمة الدين العام بنحو 4.43 مليارات دولار مقارنةً بالمستوى الذي كان عليه في تموز 2020، والبالغ حينها 93.76 ملياراً.

من جهة أخرى، انكمشت حصة القطاع المصرفي من الدين العام إلى 19.49 في المئة في تموز 2021 من 19.79 في المئة في حزيران. أما قيمة الدين بالعملة الأجنبية، فارتفعت بنسبة 0.56 في المئة على صعيد شهري وبنسبة 6.99 في المئة على صعيد سنوي لتصل إلى 37.48 مليار دولار. هذا وتراجعت حصة الدين بالليرة اللبنانية من 61.87 في المئة من حجم الدين العام الإجمالي في شهر حزيران 2021 إلى 61.83 في المئة في شهر تموز، في حين زادت حصة الدين بالعملة الأجنبية من 38.13 في المئة إلى 38.17 في المئة خلال الفترة عينها.

وبحسب وحدة الأبحاث الاقتصادية في “بنك الاعتماد اللبناني”، ارتفع صافي الدين العام، والذي يقتطع ودائع القطاع العام، بنسبة 2.62 في المئة على أساس سنوي إلى 86.46 مليار دولار، من 84.25 مليار دولار في تموز 2020.

شارك المقال