10 مليارات دولار… أعيدوها إلى المصارف

هدى علاء الدين

عكس تقرير وكالة التصنيف الائتماني “موديز” الذي صدر نهاية الشهر الماضي، مدى عمق تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية في لبنان، مشيراً إلى ضعف مؤسسات الدولة في معالجتها بعدما أدّى انهيار العملة في السوق الموازية وما نتج عنها من ارتفاع في معدلات التضخم إلى نشوء بيئة غير مستقرة للغاية، مع الإشارة إلى أن تأمين برنامج من صندوق النقد الدولي سيكون صعباً، بحيث ستضيف الانتخابات البرلمانية الجديدة المقرر إجراؤها في 27 آذار 2022 المزيد من التعقيد إذا لم يتم تأمين هذا البرنامج قبل نهاية العام الجاري. 

التقرير الذي جاء في 25 صفحة وحمل عنوان Government of Lebanon – C No Outlook، أظهر بيانات تدفق الودائع فيه أنه على الرغم من فرض ضوابط غير رسمية على رأس المال منذ تشرين الأول 2019، فقد خرج من النظام المصرفي بين كانون الثاني 2020 وأيلول 2021 حوالي 9،5 مليارات دولار. أما لجهة عدم وصول المودعين إلى الودائع بالعملات الأجنبية، فيعود ذلك إلى التحول إلى المعاملات النقدية بالعملة المحلية مع انخفاض قيمتها في السوق الموازية بنسبة تزيد عن 90 في المئة، الأمر الذي أسهم في ارتفاع كبير في معدّل التضخم الذي سجل حوالي 145 في المئة على أساس سنوي في أيلول الماضي، تزامناً مع تآكل القوة الشرائية للمستهلكين وانكماش الاستثمار، الأمر الذي مهد الطريق لاضطرابات اجتماعية شديدة أغرقت الاقتصاد في ركود عميق من المتوقع استمراره حتى العام 2023.

وهنا تُشير مصادر “لبنان الكبير”، إلى أن حجم الأموال التي أشار إليها تقرير “موديز”، يُظهر بشكل فاضح عملية تهريب أموال واسعة، متسائلة: لماذا لم يتم إقرار قانون الكابيتال كونترول حينها، ولمصلحة من يتم إخفاء ما جرى خاصة في الفترة التي تمّ فيها إقفال المصارف؟ مشيرة إلى أن عملية التدقيق الجنائي إن تمت بطريقة شفافة ستجيب حتماً عن هذه التساؤلات، لا سيما وأن هذه المبالغ المهربة أسهمت بشكل مباشر في انهيار القطاع المصرفي والمالي وفي تراجع حاد في احتياطي العملة الاجنبية لا سيما وأنه معظمها تم تحويلها إلى الخارج بالدولار، في حين أن بقاءها في المصارف كان سيجنب القطاع المصرفي العديد من المشكلات أهمها تلك المتعلقة بزيادة رأسماله والتي حددها المصرف المركزي بنسبة 20 في المئة.

كما لفت التقرير إلى أنه لطالما غذت التحويلات من الخارج النشاط في قطاعات العقارات والبناء والمالية. لكن، في أعقاب اضطرابات الربيع العربي في المنطقة ابتداءً من عام 2011، انخفض أداء النمو في لبنان بشكل حاد بسبب تراجع النشاط السياحي وإغلاق الطرق التجارية إلى سوريا (شريك تجاري رئيسي)، فضلاً عن انهيار أسعار النفط وتصاعد الحروب في المنطقة التي أدّت إلى إضعاف الاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات المالية، لا سيما من دول مجلس التعاون الخليجي. كما أثر تدفق اللاجئين السوريين، الذي يصل إلى 25 في المئة من السكان اللبنانيين على أسواق العمل في البلاد والبنية الاساسية. هذا وتعكس درجة “Ca” للقوة المالية اللبنانية توقعات الوكالة بأن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستتجاوز 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 وستبقى مرتفعة خلال السنوات القليلة المقبلة في ظل سيناريو عدم إعادة الهيكلة، مع زيادة حصة الديون بالعملات الأجنبية الناتجة عن الانخفاض الحاد في قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم، في حين أن المحركات الرئيسية لديناميكيات الديون في لبنان بحاجة إلى التطور بطريقة تضمن القدرة على تحمل الديون في المستقبل بحيث تشمل العودة للنمو الاقتصادي والحصول على التمويل اللازم. وأشارت الوكالة إلى أن توقعاتها لناحية الناتج المحلي تتمحور حول سعر صرف أعلى من السعر المتداول في السوق الموازية، علماً بأن اعتماد سعر الصرف الموازي سيرفع نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى 300 في المئة في عام 2020 و250 في المئة في عام 2021.

واعتبرت الوكالة أن تشكيل حكومة بقيادة نجيب ميقاتي بعد 13 شهراً من الفراغ الحكومي ليس سوى خطوة أولى نحو وقف الانهيار الاقتصادي، وإعادة هيكلة ديون القطاعين العام والمالي، وتنفيذ نموذج نمو أكثر استدامة موجهاً نحو الإنتاج المحلي. وقد أظهرت الأرقام الصادرة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبنان إلى أقل من 20 مليار دولار في عام 2020 من 55 مليار دولار في عام 2018 وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، في حين تقلّص الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 40 في المئة في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم خلال القرن الماضي. وحتى تتمكن الحكومة من الاتفاق على استراتيجية لإعادة هيكلة الديون تضع الدين الحكومي في مسار مستدام ويمهد الطريق للحصول على حزمة تمويل من صندوق النقد الدولي، سيستمر تمويل العجز الأولي من خلال تسييل العجز من قبل البنك المركزي. وبحسب التقرير، فإنه وعلى المدى القصير، سيعتمد الانتعاش المستدام في النشاط الاقتصادي اللبناني على الوصول إلى المشاريع الاستثمارية الممولة من الخارج على غرار حزمة المساعدات الاستثمارية البالغة 11 مليار دولار (20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018، والتي تم صرفها على مدى خمس سنوات) والتي تعهدت بها المجتمع الدولي والدول المانحة خلال مؤتمر باريس في 4 نيسان 2018. وبحسب الوكالة، فإن تجديد المؤسسات المالية الدولية التزامها بتقديم المساعدات للبنان مع دعم مالي من أجل تحمل تكاليف إعادة هيكلة الديون، سيكون مشروطاً بتنفيذ إصلاحات محددة تشمل:

جعل المالية العامة والنظام المصرفي قادر على الوفاء مرة أخرى من خلال إعادة هيكلة الديون الشاملة.

التشريع لإضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال والقضاء على نظام سعر الصرف المتعدد الحالي.

عمليات تدقيق شاملة للبنك المركزي والشركات المملوكة للدولة، مع توقعات “موديز” بأن تتجاوز الخسائر التي تكبدها حاملو السندات نتيجة تعثر لبنان الحالي 65 في المئة.

وعن عدم اعتماد قرار تعيين نظرة مستقبلية لتصنيف لبنان، أشارت الوكالة إلى أن التصنيف الحالي عند “C”هو الأدنى في مقياس التصنيف لديها، إذ أنه من غير المرجح أن يتغير إيجاباً قبل إعادة الهيكلة، ونظراً إلى التحديات المالية والاجتماعية الكبيرة ومخاطر عدم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

شارك المقال