دولار الـ8 الاف ليرة والتخبط في السياسات المالية

المحرر الاقتصادي

على الرغم من حال المرواحة التي تكتنف جلسات مجلس الوزراء، فإن فريق رئيس الحكومة يحاول التقدم على صعيد ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي يبدي كل استعداد للتعاون مع لبنان بهدف إخراجه من عنق الزجاجة.

يسلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مسار “الحكومة المصغرة” بمعنى أنه يعقد اجتماعات وزارية متخصصة في الملفات الشائكة، لكن هذا الأمر لن يحل الأزمة المركبة. فهذه الإجتماعات تقترح حلولاً “موضعية وترقيعية” كونها لا تدخل من ضمن سلة الإنقاذ الشاملة، وبالتالي لا يمكن أن تشكّل أرضية لاستعادة الثقة المسلوبة بلبنان وباقتصاده المحتضر. الأمثلة على القرارات العشوائية لا تحصى، كالقرار غير المعلن برفع الدعم من دون أن يوازيها بطاقة نقدية تحمي الأسر من تبعات رفع الدعم على أسعار السلع والمواد الضرورية، والتخبط في رفع سقف السحوبات بالليرة بالنسبة الى الودائع الدولارية. فبصرف النظر عن صوابية قرار مصرف لبنان السماح للمودعين بسحب ودائهم الدولارية بالعملة المحلية على أساس 8 الاف ليرة بدلاً من 3900 أو عدم صوابيته، ومدى انعكاس هذا الاجراء على معدلات التضخم وعلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة وارتفاع الأسعار، لكن يجدر التوقف هنا عند التناقض في التصريحات داخل البيت الواحد من هذه الخطوة. فرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل كان أبرز المنتقدين لقرار رفع سقف السحوبات، فغرّد على حسابه الخاص على تويتر قائلاً “اللعبة صارت مكشوفة. المنظومة تقرر ورأسها المالي ينفذ. هذا ما حصل برفع الدعم وبالتدقيق الجنائي وبتحويل الأموال… وهكذا بالتعاميم الجهنمية ورفع سعر الدولار”. وأضاف: “لا خلاص للبلد إذا كان المسؤولون عن ماليته هم رأس المؤامرة لإفلاسه وإفقار شعبه، ولا حل بوجودهم”.

لكنّ بموقف باسيل الذي يمتهن في هذه الأيام التصويب على حاكم مصرف لبنان رياض سلامه ،كونه شخصية مثيرة تساهم في رفع عدد الأصوات التي يحتاج إليها في الانتخابات النيابية، يختلف بشكل جذري عما كان أعلنه أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح النيابي رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان، الذي طالب مرات عدة قبل التمديد للتعميم 151 الخاص بتحديد سقف السحوبات في 28 أيلول الماضي، بوجوب رفع سقف سحب الودائع الدولارية بالليرة معتبراً أن هذا الأمر “أمرٌ حيوي وأساسي”. كما سأل: “لماذا اعتماد سحوبات الـ 3900 منذ نيسان 2020 وحتى اليوم، علماً أن دولار السّوق السوداء يواصل ارتفاعه؟… لماذا الاستمرار بقهر المودعين والمواطنين؟”.

ميزان المدفوعات

وفي ظل غياب رؤية شاملة عن كيفية النهوض بالاقتصاد الذي لن تكون قيامة له إلا بدخول دولارات طازجة (فريش) تضع لبنان على مسار التعافي، فإن ميزان المدفوعات لا يزال يسجل عجوزات وإن بوتيرة أقل عما كان عليه في العام الماضي، في وقت لا تزال موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تتناقص شهرياً بسبب الإستمرار في دعم بعض المواد من دون خطة واضحة لهذا الأمر.

ففي تشرين الأول الماضي، أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن مصرف لبنان أن ميزان المدفوعات سجل عجزاً تراكمياً في عشرة اشهر بـ1.7 مليار دولار أميركي مقابل عجز كبير بلغ 9.9 مليارات دولار.

وقد ارتفعت الموجودات الخارجية الصافية للمصارف بواقع 2.1 ملياري دولار في عشرة أشهر في مقابل انخفاض الموجودات الخارجية لمصرف لبنان 3.8 مليارات دولار.

وفي تحليل لوضع لموجودات المصارف، نجد أنه في شهر تشرين الاول تُعزى الزيادة في مطلوباتها الأجنبية إلى الزيادة الشهرية في “مطلوبات القطاع المالي غير المقيم” بنسبة 1.66 في المئة لتصل إلى 5.02 مليارات دولار بحلول تشرين الأول، في حين يمكن أن يُعزى الانخفاض في أصولها الأجنبية إلى خفض “المطالبات على العملاء غير المقيمين” بنسبة 2.52 في المئة لتصل إلى 3.53 دولارات.

في المقابل، يعزى تراجع الموجودات الصافية لمصرف لبنان بدرجة كبيرة، الى سياسة دعم السلع الاساسية.

شارك المقال