العجز في 9 أشهر: تراجع واضح يُغفل المتأخرات

المحرر الاقتصادي
العجز في 9 أشهر: تراجع واضح يُغفل المتأخرات

صحيح أن وزارة المالية رفعت إلى رئاسة الحكومة مشروعاً معدلاً لموازنة العام 2021 بعدما أخذت بملاحظات الوزراء، لكن يبدو أن فرص انعقاد جلسة لهذا الغرض ضئيلة على رغم إعلان وزير المالية غازي وزني إمكانية حصول هذه الجلسة. فرئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب لا يزال يرفض الخضوع للضغوط التي يمارسها عليه العهد بمسألة تعويم حكومته وتوسيع نطاق تصريف الأعمال الذي تقوم به، من ضمن الضغط الذي يمارسه العهد على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من أجل تعطيل مفاعيل امتلاكه ورقة التأليف من دون أفق زمني.

وتؤكد معلومات أن تمويل البطاقة النقدية التي ستوزع على قسم كبير من المواطنين لم يدرج في مشروع موازنة العام 2021، فيما تحدثت المادة 15 من مشروع الموازنة عن نقل اعتماد من احتياطي الموازنة لتوزيع مساعدات اجتماعية للأسر الاكثر حاجة بقيمة 150 مليار ليرة.

وفي هذا الوقت، أصدرت وزارة المالية أرقام المالية العامة عن شهر أيلول 2020 بتأخر ستة أشهر. وقد أظهرت الإحصاءات عن الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 انخفاض كل من الإيرادات العامة والنفقات العامة، ما أدى إلى تراجع واضح في العجز المالي العام.

فالنفقات العامة انخفضت بنسبة 23.71 في المئة متراجعة من 16 ألفاً و730 مليار ليرة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 إلى 12 ألفاً و763 مليار ليرة في الفترة نفسها من العام الماضي. ونتج ذلك خصوصاً عن انخفاض خدمة الدين جراء تخلف الدولة عن سداد ديونها في آذار من العام الماضي. ذلك أن خدمة الدين تراجعت في تسعة أشهر بنسبة 62.2 في المئة على أساس سنوي، أي من 5 آلاف و512 مليار ليرة إلى ألفي مليار حتى أيلول 2020. وبلغت نسبة تراجع خدمة الدين بالعملات الأجنبية 90.3 في المئة وبالليرة اللبنانية 25.2 في المئة. كما تراجعت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان بنسبة 40.4 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي نتيجة التراجع الكبير في أسعار النفط العالمية.

في المقابل، انخفضت الإيرادات العامة بنسبة 23.77 في المئة وبقيمة ألفين و905 مليارات ليرة، من 12 ألفاً و221 مليار ليرة إلى 9 آلاف و316 مليار ليرة بين الفترتين المذكورتين. ونتج هذا الانخفاض إنكماش إيرادات الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 48.3 في المئة وتراجع إيرادات الاتّصالات بنسبة 34 في المئة وتدنّي الإيرادات الجمركيّة بنسبة 33.9 في المئة. علماً أن الرقم الأخير كان يمكن أن يكون أعلى لو تم ضبط عمليات التهريب عبر الحدود والمعابر وسداد الضرائب المفروضة عليها. وفي المقابل، ارتفعت الضرائب المتأتية من الرسوم العقارية بنسبة 97.92 في المئة على أساس سنوي نتيجة الصفقات العقارية التي تمت باعتبار أن المستثمرين آثروا شراء العقارات لإخراج مدخراتهم من المصارف.

وقد أدى تراجع النفقات والإيرادات إلى تراجع مستتبع للعجز في الاشهر التسعة الأولى من العام الماضي، من 5 آلاف و413 مليار ليرة إلى 3 آلاف و943 مليار ليرة. علماً أن هذا العجز لم يشمل أيضاً المتأخرات المتوجبة على الدولة لاسيما تلك المستحقة للبلديات والتي تراجع سدادها بنسبة 54 في المئة. وسجلت نسبة العجز العام إلى النفقات العامة تراجعاً من 29.7 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 إلى 27.18 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي.

وعلى صعيد الرصيد الأولي، فإن الفائض الأولي البالغ 298 مليار ليرة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2019 تحول إلى عجز أولي بقيمة ألف و713 مليار ليرة في الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 (ما نسبته 11.8 في المئة من النفقات العامة). وهذا يدل على عدم استدامة المالية العامة واستمرار التدهور من دون خطة لتصحيحها.

ويتوقع البنك الدولي انكماش الناتج المحلّي الإجمالي للاقتصاد اللبناني بنسبة 9.5 في المئة عام 2021، نتيجة تداعيات فيروس الكورونا وغياب أي توافق حول معالجة الأوضاع الماكرواقتصاديّة إلى اليوم، ومستوى الاستقرار الأدنى المطلوب على الأصعدة السياسيّة والأمنيّة، من دون الأخذ في الاعتبار التضخّم الجامح. ويعتقد البنك الدولي أنّ الركود الاقتصادي في لبنان صعب وسيستمرّ لفترة طويلة نتيجة غياب قيادة فاعلة لصنع السياسات.

من هنا، فمن الأهمية وضع الماليّة العامة على مسار التعافي المستدام واجراء إصلاحات هيكلية كبيرة لاحتواء الدين العام وخلق الحيّز المالي اللازم لدعم النمو وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي. فالتصحيح المالي والإصلاحات هما السبيل الوحيد للخروج من الوضع الحالي.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً