التعميم 161: “هيركات” مقنّع لن يلجم الدولار

هدى علاء الدين

سارع المودعون إلى المصارف أمس للاستفسار عن قرار مصرف لبنان السماح لهم بالحصول على جزء من اموالهم بالدولار النقدي ولمدة اسبوعين، لكن المصارف ليست لديها بعد صورة واضحة عن آلية تطبيق التعميم 161 الصادر عن المصرف المركزي.

وكان مصرف لبنان قرر تزويد المصارف بالدولار الأميركي النقدي على أساس سعر الصرف المعلن بشكل يومي لليرة على المنصة الاكترونية “صيرفة”، وذلك ضمن المبلغ المتبقي من السقف المحدد لها للشهر الجاري، وطلب منها دفع أوراق نقدية بالدولار لعملائها بدلاً من سداد المبالغ التي تعود لهم بالليرة والناتجة عن إجراء سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات أو من المستحقات العائدة لهم، وفقاً للحدود المعتمدة لتنفيذ هذه العمليات لدى المصرف المعني، ليمنح بذلك المودع بتحويل ما يحصل عليه بالليرة وفقاً للتعميمين 151 و158 إلى الدولار. ويأتي هذا القرار بعد أيام قليلة على تعديل المركزي القرار الأساسي الرقم 13221، والذي قضى بسداد المصارف للسحوبات من ودائع دولار وفقاً لسعر 8 الاف ليرة بدلاً من 3900، وذلك ضمن سقف 3000 دولار للحساب الواحد شهرياً.

وتعليقاً على هذا القرار، اعتبر المحامي والخبير الاقتصادي أديب طعمة، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن مصرف لبنان والمصارف هي المستفيدة من التعميم الرقم 161، مشيراً إلى أن المودع الذي لديه حساب في المصرف تمكنه قيمته من السحب لحدود الـ 3000 آلاف دولار بناء على تعديل التعميم رقم 158، وحصل عليها وفقاً لسعر صرف 8 الاف آلاف ليرة أي ما يعادل 24 مليون ليرة، فإنه ووفقاً للتعميم الرقم 161، لن يحصل على هذه الأموال بالليرة إنما بالدولار على أساس سعر صيرفة، وبالتالي سيحصل على 1000 دولار فقط (هذا التعميم سيحول الـ 3000 من لولار إلى 1000 دولار)، مما يعني أن هذه الأموال خضعت لعملية “هيركات” سريعة. من جهة ثانية، فإن المودع الذي حصل على الـ 1000 دولار من المصرف، سيكون أمام خيارين: إما صرف هذه الأموال خاصة أن هناك مصاريف لا بد من دفعها نهاية العام الجاري كالتأمين والمدفوعات الكاش فضلاً عن المدارس والطبابة والمستشفيات، أو تحويلها إلى الليرة على سعر صرف السوق الموازية ليحصل حينها على هامش ربح يصل إلى بضعة ملايين ليرة (الفارق بين سعر المنصة صيرفة وسعر الصرف في السوق الموازية). هنا في هذه الحالة، وحسب مصرف لبنان، ستخلق هذه العملية طلباً على الليرة بحيث ستُساهم في لجم تدهورها توازياً مع انخفاض سعر صرف الدولار. ويشير طعمة هنا إلى أن الدولار الذي سيُضخ في السوق سيعمد المصرف المركزي إلى شرائه، وكأنه أصدر هذا التعميم من أجل الحصول على الدولار بسعر منخفض، ليعود بعدها الدولار إلى الارتفاع من جديد.

وبحسب طعمة، سيكون هناك المزيد من طباعة الليرة وليس على عكس ما يُقال أن المصرف سيقوم من خلال هذه الخطوة بسحب كميات الليرة المتوافرة بشكل كبير في الأسواق، خاصة في ظل وجود ما يُسمى بالـOperating Expenses التابعة للدولة وأجور القطاع العام، فضلاً عن زيادة الطلب عليها في موسم الأعياد ورأس السنة. وبالتالي، ليس صحيحاً أن حجم الكتلة النقدية سيتم التحكم به، لا بل سيخضع للمزيد من التضخم. ويؤكد أن مدة العشرة أيام التي منحها التعميم من أجل تنفيذ بنوده ليست كافية في هكذا أزمة التي تحتاج إلى حلول على المدى البعيد، وكأن المصرف اليوم يقدم عرضاً كتلك العروض التي تُقدم آخر السنة (Discount)، وهذا دليل على أن مصرف لبنان إما لا يملك إحتياطيا كافيا بالدولار أو أن هناك حالة من التخبط والضياع وعدم الثقة.

سمسرة نقدية والحل سياسي

لا توجد سياسة نقدية، يقول طعمة، والذي يتم العمل به اليوم هو شيء مختلف تماماً ويمكن وصفه بأنه “سمسرة نقدية” من أجل الحصول على الدولار عبر تجميعه من السوق وتحويله إلى الاحتياطي الإلزامي، في خطوة تمكن المصرف من الصمود إلى حين إيجاد الحلول، مشيراً إلى أن إطالة وقت الأزمة ليس من مصلحة لبنان لأنها تُصعّب من إزالة انعكاساتها وتعمّق من عدم وجود الثقة. أما الحل، فيبقى عبر تدفق الدولار إلى لبنان الذي يحتاج اليوم إلى ضخ سيولة من العملة الأجنبية إلى أسواقه، ولكي يتم ذلك لا بد من توافر حل سياسي وليس حلا اقتصاديا عبر إعادة تموضع لبنان في موقعه الطبيعي والقريب منه والذي يستطيع من خلاله النهوض باقتصاده ووضعه من جديد على الخريطة الاقتصادية والمالية، وهذا يتطلب دولة ذات سيادة مستقلة بعيداً عن المحور الذي فُرض على لبنان والذي لن يستطيع من خلاله أن يصل إلى أي مكان. لكن ذلك وحسب طعمة، ليست نقطة كافية، لأن المطلوب اليوم هو محاسبة من أوصل لبنان إلى ما هو عليه، فضلاً عن وجود عدالة اجتماعية تُرجع الحقوق إلى أصحابها، إذ لا يمكن حجز أموال الناس ومن ثم تبخيرها، والأسوأ من ذلك كله الطلب منهم دفع ضرائب عالية القيمة، لتنتهي لاحقاً بوضعهم رهينة صفقة دولية غير منصفة بحقهم.

ويرى طعمة، أن الأمور إذا ما استمرت على هذا المنوال، فإن لبنان على طريق فنزويلا التي لجأت إلى إزالة الأصفار من عملتها الوطنية، وهو أمر ليس ببعيد عنه، معتبراً أن الأزمة ستطول أكثر وأكثر في ظل غياب الحلول السياسية وعدم إنتاج طبقة جديدة قادرة على المحاكمة ليس بهدف المحاكمة فقط بل من أجل استعادة الثقة والقول أن هناك شيء ما تغير في لبنان، ولا سيما أن نموذج لبنان لم يعد صالحاً ولا بد من نموذج اقتصادي جديد وبأقصى سرعة.

 

 

 

 

 

شارك المقال