الدعم يستنزف 10 مليارات دولار من موجودات “المركزي”

المحرر الاقتصادي

أيام معدودة تفصلنا عن نهاية العام 2021. لقد كان عاماً كارثياً على جميع المستويات، الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية والاجتماعية والصحية و… العد لا يتوقف.

والأخطر كان تآكل الاحتياطيات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، والتي تشمل نسبة الاحتياطي الإلزامي المفروضة على المصارف اللبنانية والتي باتت اليوم 14 في المئة من حجم الودائع بالعملات الأجنبية لدى المصارف بعد تنقيصها من 15 في المئة.

فاذا ما احتسبنا أن حجم الودائع بالعملات لدى المصارف بلغ حدود 105.4 مليارات دولار وفق آخر الارقام الصادرة عن القطاع المصرفي حتى نهاية تشرين الاول 2021، مقابل موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية في الشهر عينه بقيمة 13.6 مليار دولار (بعد حسم قيمة سندات اليوروبوندز التي يملكها مصرف لبنان والبالغة وفق ميزانيته 5.03 مليارات دولار)، يصبح حينها الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان 14.7 مليار دولار. بمعنى آخر، لقد تم المس بسقف الاحتياطي الالزامي.

ويأتي كل ذلك نتيجة غياب الدولة وتنفيذ سياسة دعم عقيمة تحمّلها المصرف المركزي مرغماً على الرغم من تحذيراته المتكررة من تداعياتها على ما تبقى من أموال. لقد كبّدت هذه السياسة البلد خسائر كبيرة من دون أن تؤتي المرجو منها في دعم الأسر المحتاجة بانتظار إطلاق برامج تمويلية تكون بمثابة جسر عبور لهؤلاء وتعينهم على مواجهة الأزمة المركبة.

أكثر من عشرة مليارات دولار أنفقت على الدعم منذ بدء العمل فيه كان يمكن أن تشكل وقود إعادة إطلاق الاقتصاد لو كان هناك سياسة ورؤية حكيمة بعيداً عن المناكفات والعنتريات والعراقيل.

في منتصف كانون الاول الجاري، بلغت موجودات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، ما قيمته 18.09 مليار دولار لتصبح 13.06 عند حسم محفظته سندات اليوروبوندز. ومن هذه الأموال حصة لبنان من حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها أخيراً من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.1 مليار دولار.

وأبلغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامه وكالة الصحافة الفرنسية أن الاحتياطي الإلزامي تقلص اليوم إلى “حوالى 12.5 مليار دولار”، ويضاف إليها فائض بقيمة 1.5 مليار دولار يستخدمه المصرف المركزي حالياً لتمويل عمليات عدّة بينها الدعم الجزئي لسلع رئيسية خصوصاً الطحين والأدوية. وحسب سلامه، فان هذا الفائض يكفي لفترة تراوح “ما بين ستة وتسعة أشهر على الأقل”.

أمّا على صعيد سنوي، فتراجعت قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان بنسبة 27.29 في المئة أو 6.79 مليارات دولار مقارنةً بالمستوى الذي كانت عليه منتصف شهر كانون الأوّل 2020، والبالغ حينها 24.88 مليار دولار. كما تراجع في حدود 20 مليار دولار عما كان عليه منتصف العام 2019.

أصل المشكلة يعود الى العام 2011 بعد الانقلاب الذي جرى على الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري. انطلاقاً من هذا التاريخ، بدأ ميزان المدفوعات يسجل عجوزات تراكمية كبيرة كانت باكورتها في ذلك العام حين وصل العجز الى حوالي ملياري دولار بعد فائض كبير سجل في العام 2010 بلغ 3 مليارات دولار. واستمر هذا الاتجاه حتى نهاية عام 2015 حين سجل ميزان المدفوعات أكبر انخفاض قدره 3.35 مليارات دولار. ويرجع تدهور الوضع الخارجي للبنان إلى انخفاض تدفقات رأس المال عقب الخلافات السياسية المستعرة اضافة الى الحرب في سوريا. وفي عام 2016، ارتفع ميزان المدفوعات نتيجة الهندسة المالية التي أجراها مصرف لبنان ليسجل فائضاً قيمته 1.23 مليار دولار بحلول نهاية العام. لكن هذا الاتجاه لم يستمر لفترة طويلة إذ تراجع بعد تسجيل عجز متراكم حتى الآن.

وبين آذار وكانون الاول 2017، تكثفت الهندسات المالية مما أدى الى زيادة الاحتياطيات الاجمالية للمصارف لدى مصرف لبنان الى 56.4 مليار دولار في نهاية كانون الاول من 45.3 ملياراً في آذار. وبلغت الموجودات الخارجية بالعملات لمصرف لبنان ذروتها عند 35.8 مليار دولار. في حين كان الاحتياطي الصافي للمصرف المركزي سالباً.

عام 2018، بدأت الموجودات الاجنبية بالعملات لدى المصرف المركزي اتجاهها التراجعي وانخفضت بشكل ملحوظ من 35.8 مليار دولار في كانون الاول 2017 إلى 32.51 ملياراً في كانون الاول 2018.

واستمر التراجع عام 2019 لتصل الموجودات الاجنبية الى حدود الـ30 مليار دولار. وفي اواخر العام المذكور، وحين بدأت الثورة، فقدت الثقة بالقطاع المالي في وقت بدأ سعر صرف الليرة يتحرك بعد سياسة تثبيت دامت سنوات وساهمت في تعزيز قدرة اللبنانيين على الاستمرار في مواجهة التحديات، وانخفضت الموجودات الأجنبية لمصرف لبنان إلى أقل من “المستوى الحرج” البالغ 30 مليار دولار.

اليوم، الاقتصاد انهار وتهاوت الليرة معه، واحتياطيات النقد الأجنبي لا تزال تتبخر. خسر لبنان كليهما على أمل أن يكون النهوض من خلال اتفاق تمويلي يتم التوصل اليه مع صندوق النقد الدولي.

شارك المقال