ماذا لو أوقفت المصارف المراسلة تعاملها مع نظيرتها اللبنانية؟

المحرر الاقتصادي

منذ أيام، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامه أن معظم المصارف اللبنانية نجحت في زيادة رؤوس أموالها وفي الامتثال للتعميم 154 الذي يطلب منها تعزيز رصيدها لدى المصارف المراسلة بنسبة ٣ في المئة من ودائعها بالعملة الأجنبية، إضافة الى hسترداد ٣٠ في المئة من الأموال المحولة إلى الخارج من قبل أعضاء مجلس الإدارة، وكبار المساهمين والأشخاص المعرضين سياسياً (PEPs)، و١٥ في المئة لباقي العملاء.

قد يكون من المبكر الحكم على ما آل ليه القطاع المصرفي اليوم بعد قرارات إعادة هيكلته. فعملية تقييم امتثال كل مصرف على حدة لتعميم مصرف لبنان في تكوين حسابات في الخارج والالتزام بالتعميم الرقم 567 الذي يطلب من المصارف زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة، هي عملية غير آنية بل تتطلب وقتاً. إنما يبدو أن ما أعلنه سلامه جاء ليقطع الطريق على أعداد المصارف التي ترمى يميناً وشمالاً عن عدم التزامها وعن مصيرها.

لكن قد تذهب كل هذه الجهود في مهب الريح إذا ما قررت المصارف المراسلة وقف تعاملاتها مع نظيرتها اللبنانية. وهو تخوف مشروع بعد إعلان مصرف لبنان توقف مصرفيين دوليين كبيرين التعامل معه، بما يعنيه ذلك من عزلة مالية ومصرفية ونقدية للبنان تضاف الى عزلته السياسية.

وقد أبرزت وكالة “موديز” هذه المخاوف في تقرير صادر عنها منذ أيام حذرت فيه من “التعدي” على الاحتياطات الإلزامية للمصارف لدى مصرف لبنان مع استمرار مأزق الحكومة، وقالت إن هذا الأمر سيزيد من المخاطر على المصارف. وتلك المخاطر تمتد نتائجها لتطال العلاقة بالمصارف المراسلة، إذ من المرجّح “فقدان لبنان لعلاقات المراسلة المصرفية”، ما “سيسرّع من التراجع الاقتصادي، ويقوّض بدرجة أكبر توافر خدمات المدفوعات العابرة للحدود من أجل التحويلات والتجارة والسياحة، وهي من الدعائم الرئيسية للاقتصاد”. ويعني فقدان علاقات المراسلة المصرفية، بحسب “موديز”، أن المدفوعات العابرة للحدود وخدمات المقاصة ستبقى في حالة من الشلل، حتى بعد إعادة هيكلة شاملة للديون، مما سيثبط أي تعافٍ محتمل.

لقد زادت ودائع المصارف لدى المصارف المراسلة بقيمة تراكمية بلغت 539 مليون دولار بين تشرين الأول 2020 وشباط 2021 (زادت بواقع 102 مليوني دولار في شباط 2021). هذا الرقم لا يزال بعيداً عما يستهدفه مصرف لبنان. فنسبة الـ3 في المئة من الودائع بالعملات (البالغة حوالي 110 مليارات دولار) تعني انه على المصارف تكوين حوالي 4.3 مليارات في الخارج.

وتقول مصادر في مصرف لبنان في هذا الإطار أن ما تملكه المصارف لدى المصارف المراسلة بلغ حتى نهاية شباط 2021 حوالي 5 مليارات دولار في مقابل حوالي 11 ملياراً في العام 2018. وتشرح المصادر إياها بأن المبلغ المكون في الخارج ليس صافياً. بمعنى آخر، هناك التزامات على المصارف لمصلحة المصارف المراسلة وجب تنزيلها قبل احتساب الحساب الخارجي الحر، وهو ما يرجح أن تكون حسابات المصارف مع المصارف المراسلة سلبية.

وكان بعض المصارف تمكن من زيادة سيولته في الخارج بعدما باع وحدات خارجية تابعة له. وعُلم أن أحد المصارف يفاوض حالياً لبيع وحدات تابعة له في الخارج في سبيل الالتزام بتعاميم المصرف المركزي. كذلك عُلم أن أحد المصارف سيعلن قريباً جداً عن صرف موظفين بعدد قد يفوق الـ400 موظف وذلك في إطار عملية إعادة الهيكلة التي يقوم بها وقفل فروع.

لكن أين المبالغ التي تكونت نتيجة هذه العمليات؟ تقول المصادر إن تنزيل التزامات هذه المصارف تسبب في “تبخّر” المبالغ المتأتية من عمليات البيع.

يذكر أن حسابات المصارف لدى المصارف المراسلة كانت بلغت مستويات مرتفعة في السنوات السابقة قبل أن تبدأ بالتقلّص بعدما عمدت المصارف الى تحويل مبالغ منه إلى الداخل من أجل استثمارها.

وفي ما يتعلق بحقوق المساهمين، فقد سجلت 17.2 مليار دولار في شباط 2021 مقابل 20.8 مليار دولار في نهاية شباط 2020. وهذا يعكس حجم الخسائر المصرفية التي يسجلها القطاع وسط الحاجة الكبرى لتكوين مؤونات مقابلها.

تراجع الودائع والتسليفات

هذا ولا يزال القطاع المصرفي يسجل تراجعات على صعيد ودائعه وتسليفاته والمزيد من الانخفاض في معدلات الفوائد. إذ تراجعت ودائع الزبائن بقيمة 288 مليون دولار في الشهرين الأولين من العام الحالي، لتبلغ القاعدة الاجمالية للودائع 138.8 مليار دولار مقابل 139.1 ملياراً في نهاية العام 2020 و158.9 ملياراً في نهاية العام 2019 و174.3 ملياراً في نهاية العام 2018. وكان تراجع ودائع الزبائن كبيراً في الشهرين الأولين من العام الماضي حين بلغ 7 مليارات و151 مليون دولار.

وقد تراجعت بالعملات الأجنبية بواقع 678 مليون دولار في أول شهرين من العام، في حين نمت الودائع بالليرة بواقع 390 مليون دولار. وهذا دفع الدولرة بالودائع إلى تسجيل تراجع طفيف لتصل إلى 80 في المئة في نهاية شباط 2021 مقابل 80.4 في المئة في نهاية 2020.

كذلك، فقد تراجعت التسليفات إلى القطاع الخاص بواقع 677 مليون دولار في أول شهرين من العام مقابل تراجع أكبر بكثير في الفترة نفسها من العام الماضي بقمية 3 مليارات و689 مليون دولار حين كان المقترضون يلجؤون إلى سداد ديونهم المصرفية عبر شيكات مصرفية. وبلغت محفظة التسليفات حتى شباط 35.5 مليار دولار مقابل 36.2 ملياراً في نهاية العام 2020 و49.8 ملياراً في نهاية العام 2019 و59.4 ملياراَ في نهاية العام 2018. وتراجعت التسليفات بالعملات بواقع 429 مليون دولار مقابل تراجع التسليفات بالليرة مقومة بالدولار بواقع 249 مليون دولار. ما يعني أن الدولرة في التسليفات استمرت في منحاها التراجعي لتسجل 59.5 في المئة في نهاية شباط.

أما من ناحية معدلات الفوائد، فاستمرت في التراجع ليسجل متوسط الفائدة على وديعة الدولار ما نسبته 0.54 في المئة في نهاية شباط مقابل 0.94 في المئة في نهاية العام 2020 ومستوى 6.61 في المئة في تشرين الاول 2019. أما متوسط الفائدة على الوديعة بالليرة فسجل 2.11 في المئة مقابل 2.64 في المئة في نهاية 2020 و9.4 في المئة في تشرين الثاني 2019. ومن حيث الفائدة على التسليف، فقد سجل متوسطها على القرض بالدولار 6.9 في الئة، و7.59 في المئة بالنسبة للقرض بالليرة.

ميزان المدفوعات

إلى ذلك، تظهر الأرقام الصادرة مزيداً من التدهور في عجز ميزان المدفوعات ليصل إلى 751 مليون دولار أميركي في الشهرين الأولين من العام الحالي مقابل عجز بقيمة 505 ملايين دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.

ويمكن تفسير العجز المسجل هذا العام بتراجع في الموجودات الصافية الخارجية بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان بقيمة مليار و88 مليون دولار مقابل زيادة في الموجودات الصافية الخارجية بالعملات لدى المصارف بقيمة 337 مليون دولار في أول شهرين من العام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً