هل ينطلق الإصلاح من موازنة 2022 أم تكون شراء للوقت؟

المحرر الاقتصادي

تستعد وزارة المالية لانجاز مشروع قانون موازنة العام 2022، الذي يشكل أحد أبرز الشروط التي ينادي بها صندوق النقد الدولي. وعُلم أن النقاش يدور حول ثلاثة مستويات لسعر الصرف بين 3 آلاف ليرة و6 آلاف و9 آلاف، إذ لم يعد واقعياً (وباعتراف حاكم مصرف لبنان) أن تبنى على أساس سعر الصرف الحالي البالغ 1507.5 ليرات في وقت اقترب سعر صرف الليرة في السوق الموازية من الـ30 ألفاً للدولار الواحد.

وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال في تصريح له عقب ترؤسه اجتماع لجنة معالجة تداعيات الأزمة المالية والإقتصادية، إن مشروع الموازنة يتضمن بنوداً إصلاحية تؤمن واردات ثابتة وواضحة لخزينة الدولة. السؤال هنا كيف ستتمكن الحكومة من تأمين واردات ثابتة من دون اللجوء الى زيادات ضريبية من شأن اقرارها أن يضاعف الانكماش الاقتصادي ويزيد من عمق الأزمة التي يعانيها اللبنانيون، مما يقلص حتماً حجم الإيرادات المتوقّعة. وليس واضحاً بعد كيف ستتعامل الحكومة مع أرقام الناتج المحلي وفي احتساب الدين العام واي جزء منه وفي توقعاتها حول التضخم وغيرها من المؤشرات، وهي لا يمكن أن تأتي بمعزل عن خطة اصلاحية هيكلية تؤمن استقراراً ماليا في المستقبل وتكون ركيزة أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

في استطلاع أجرته “بلومبرغ” منذ أقل من شهر مع عدد من الاقتصاديين والخبراء الماليين، تبيّن أن الناتج المحلي سينكمش بواقع 8.3 في المئة عام 2021، وهو العام الذي لم تقم الحكومة السابقة بإقرار موازنته. وكان استطلاع سابق أجري في أيلول قد توقع انكماش الناتج بواقع 8 في المئة. في حين أن التوقعات تشير إلى انكماش النمو بـ10 في المئة عام 2022.

ويعوّل صندوق النقد الدولي كثيراً على ضرورة ضبط العجز في المالية العامة لتحقيق فائض أوّلي ولو بسيط، من أجل إحداث تغيير ملحوظ في الدين العام واحتوائه واستدامته من اجل بدء مسار تحقيق معدلات نمو اقتصادي. وقد عبّر أكثر من مرة عن قلقه ومخاوفه من بلوغ نسبة العجز المالي الى الناتج المحلي 11 في المئة عام 2018، ولم يقتنع بالمستوى الذي كانت تستهدفه الحكومة في موازنة 2019 (7.6 في المئة) وتوقع بلوغه 9.75 في المئة (وهو كان توقع نسبة 12.1 في المئة عام 2020 و12.5 في المئة عام 2021).

وفي هذا الإطار، تتوقع “بلومبرغ” أن يكون العجز الى الناتج المحلي قد وصل إلى ما نسبته 6 في المئة عام 2021 وأن يصل الى 6 في المئة عام 2022.

في النصف الاول من العام 2021 (آخر الارقام المتوافرة من وزارة المالية)، تحقق فائض أولي قيمته 186.7 مليار دولار على أساس سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار، أي ما نسبته 3 في المئة الى النفقات مقابل عجز بقيمة 2.2 ملياري دولار في الفترة عينها من العام 2020. لكن هذا الفائض لم يأتِ بسبب تحسن طبيعة الانفاق، انما نتيجة تراجع إنفاق بما قيمته 1.05 مليار دولار على خدمة الدين بسبب توقف لبنان عن سداد التزاماته الخارجية في سندات اليوروبوندز، وتراجع التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان. اذ أظهرت الإحصاءات إنخفاضاً سنويّاً بحوالي 90.22 مليون دولار في تحويلات الخزينة إلى المؤسسة خلال النصف الأوّل من عام 2021 إلى 343.6 مليون دولار مقارنةً بـ433.8 مليون دولار في الفترة عينها من 2020. ويُنسَب هذا التراجع إلى إنخفاض فاتورة المدفوعات لقاء شراء الغاز والوقود من مؤسسة البترول الكويتيّة وشركة سوناطراك الجزائريّة بنسبة 20.6 في المئة إلى 343.0 مليون دولار وتدنّي خدمة الدين بنسبة 62.5 في المئة إلى 600 مليون دولار.

ومن أسباب تحقق الفائض الأولي أيضاً زيادة بقيمة 1.36 مليار دولار في الايرادات. اذ ارتفعت الايرادات الضريبية بواقع 38 في المئة على اساس سنوي لتصل الى 4.6 مليارات دولار في النصف الاول من العام 2021، منها 26.8 في المئة أو 1.24 مليار دولار هي ايرادات متأتية من الضريبة على القيمة المضافة التي ارتفعت بواقع 119 في المئة بسبب الارتفاع السريع في معدلات التضخم.

وارتفعت الضرائب على الدخل والارباح بواقع 23.4 في المئة الى 2.05 ملياري دولار. فيما ارتفعت الرسوم العقارية بواقع 60 في المئة (516 مليون دولار) نتيجة استمرار إقدام المودعين على تهريب ودائعهم بشيكات مصرفية يستخدمونها لشراء العقارات.

اما الايرادات غير الضريبية، فارتفعت بسنبة 54 في المئة أو 974.3 مليون دولار في النصف الاول من العام 2021. وقفزت الايرادات المتأتية من الاتصالات بواقع 174 في المئة الى 545 مليون دولار، وهي تمثل ما نسبته 56 في المئة من الايرادات غير الضريبية الاجمالية.

شارك المقال