المصارف “تشطب” نحو 17 مليار دولار بين ودائع وقروض

المحرر الاقتصادي

على الرغم من الإيجابية التي يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تسويقها في ما يتعلق بعقد جلسة لمجلس الوزراء بهدف مناقشة مشروع موازنة العام 2022، إلا أن المعطيات والمؤشرات لا تبشر بالإيجابية عينها. فمشروع الموازنة لا يزال غير منجز بعد، ولم يتم التوافق على أي سعر صرف يمكن أن تبنى عليه الموازنة وكيفية احتساب الدين العام وخصوصاً بالعملات الأجنبية منه والذي بلغ حتى آخر أيلول الماضي، 99 مليار دولار. أي انه سيتجاوز المئة مليار نهاية العام 2021. فهل أراد الرئيس ميقاتي بإعلانه قرب إنجاز مشروع الموازنة أن يبرهن لصندوق النقد الدولي الذي يزور لبنان في الاسبوع الثالث من الشهر الجاري، جدية الحكومة في البدء بالعملية الإصلاحية التي تدخل الموازنة وتصحيح المالية العامة وترشيد النفقات وزيادة الورادات، من ضمنها.

وفي الموازاة، لم يتم التوافق بعد على آلية تراتبية لتوزيع الخسائر المالية التي حُدد رقمها بـ69 مليار دولار بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين. وهو الأمر الذي يترقبه صندوق النقد الدولي بعدما أدلى الناطق باسمه جيري رايس بتصريح ابدى فيه ترحيبه بتوصل الحكومة اللبنانية الى تحديد الخسائر. وهذا ما ستتم مناقشته أثناء زيارة وفد الصندوق، على أمل أن تكون هذه الزيارة باكورة انطلاق المحادثات الرسمية، التي لن تكون سهلة أو قصيرة، بل معقدة وقد تستغرق أشهراً ومن الممكن أن تكون نتيجتها سلبية.

وفي ظل هذه التطورات، لا يزال سعر صرف الليرة مقابل الدولار يشهد تراجعات دراماتيكية مع استمرار تعدّد أسعار الصرف والتي سيضاف سعر جديد إلى اللائحة مع اعتماد سعر صرف جديد للرسم الجمركي. ومن المفترض أن تتضمّن خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تعمل الحكومة على إنجازها ليصار الى مناقشتها لاحقاً مع الصندوق، آلية تدرجية لتحرير سعر الصرف على مراحل وصولاً الى تعويم السعر لكي يتلاقى سعر الصرف العائم مع سعر الصرف الموجود في السوق الموازية لتختفي بالتالي الأسعار الأخرى.

وفي هذا الاطار، يقول معهد التمويل الدولي إن مرحلة توحيد أسعار الصرف يمكن أن تمر بسلاسة من دون أن تؤثر في معدلات التضخم، اذا تمكن لبنان من التخلص من الاعتماد على احتياطياته عبر تأمين تدفقات وازنة من العملة الصعبة من الخارج.

وفي ما يتعلق بالقطاع المصرفي، فلا تزال الضبابية هي السائدة حول مستقبل القطاع في ظل استمرار رفض المساهمين مساعي إعادة هيكلة القطاع، علماً أنه ممر إلزامي لاستعادة الثقة المفقودة بالمصارف وبالاقتصاد ككل.

لكن ما هي آخر مؤشرات القطاع وفق الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان وجمعية مصارف لبنان في الاشهر الـ11 الاخيرة من العام 2021؟

تشير الإحصاءات إلى انخفاض أقل في الودائع والقروض المصرفية إلى جانب معدلات الدولرة التي تقلّصت بشكل طفيف خلال العام الماضي مقارنة بالفترة عينها من العام 2020. ونورد بعض النقاط في هذا الإطار، كالآتي:

– سُجل انخفاض في قاعدة الودائع المصرفية بواقع 9.6 مليارات دولار في الفترة المذكورة، مقابل تراجع بقيمة 19 مليار دولار في الفترة عينها من العام 2020. ويمكن أن يُعزى ذلك الى حصول عملية سداد أقل للقروض مما كانت عليه عام 2020. اذ انخفضت التسليفات الى القطاع الخاص بواقع 8.1 مليارات دولار خلال الاشهر الـ11 الاولى من العام 2021، مقابل 12.7 مليار دولار في الفترة عينها من العام 2020. مما يعني انه حصل تراجع بقيمة 17.7 مليار دولار بين تسليفات وودائع.

وفي التفاصيل، تراجعت الودائع بنسبة 7.07 في المئة إلى 134.30 مليار دولار. علماً أنها انخفضت 28.61 مليار دولار منذ شهر تشرين الأول 2019 وحتّى نهاية العام 2020 إثر السحوبات الكثيفة. ويأتي التراجع نتيجة إنكماش ودائع القطاع الخاصّ المقيم بنسبة 6.30 في المئة إلى 104.74 مليارات دولار ترافقاً مع إنخفاض ودائع القطاع الخاصّ غير المقيم بنسبة 9.37 في المئة إلى 24.79 مليار دولار. كما تدنّت ودائع القطاع العامّ بنسبة 11.21 في المئة الى 4.87 مليارات دولار مقوّمة بالدولار. ويُعزى التراجع في الودائع إلى السحوبات الكبيرة خوفاً من أي إقتطاعات قد تطالها في حال تمّ الإتّفاق على خطّة تعافي مع الحكومة. وتراجعت ودائع الزبائن المعنونة بالليرة بنسبة 6.01 في المئة إلى 30.83 مليار دولار، كما إنخفضت الودائع المعنونة بالعملات الأجنبيّة بنسبة 7.38 في المئة لتصل إلى 103.57 مليارات دولار.

في المقابل، إنكمشت تسليفات المصارف إلى القطاع الخاصّ (المقيمين وغير المقيمين) بنسبة 22.48 في المئة إلى 28.04 مليار دولار مقابل 36.17 مليار دولار في كانون الأوّل 2020.

– شهدت الدولرة في الودائع والتسليفات تراجعاً طفيفاً. اذ وصلت الاولى الى 80 في المئة في نهاية تشرين الثاني من 80.4 في المئة في نهاية كانون الاول 2020. في حين وصلت الدولرة في التسليفات الى 57 في المئة من 59.6 في المئة.

– كذلك، واصلت معدلات الفائدة تراجعها، فبلغ متوسط الفائدة على الوديعة بالليرة 1.23 في المئة من 2.64 في المئة نهاية كانون الاول 2020. كما تراجع متوسط سعر الفائدة على الوديعة بالعملات الاجنبية الى 0.2 في المئة من 0.9 في المئة. علماً ان معدلات الفائدة قد سجلت مستويات مرتفعة جداً قبل الازمة المالية حين بلغت تلك على وديعة الليرة 9 في المئة وعلى وديعة الدولار 6.6 في المئة.

– تراجعت محفظة المصارف من سندات اليوروبوندز الى 5.6 مليارات دولار في تشرين الثاني من 9.4 مليارات دولار نهاية العام 2020. وكنسبة من ودائع الزبائن بالدولار، فان محفظة اليوروبوندز انخفضت الى 5.4 في المئة من 8.4 في المئة.

– في المقابل، بلغت الاموال الخاصة للمساهمين 17.1 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني، مقابل 19.9 مليار دولار في نهاية العام 2020. مع الاشارة إلى أنّ الأموال الخاصّة الأساسيّة ارتفعت 196.76 مليون دولار خلال تشرين الثاني 2021.

– سجل ميزان المدفوعات عجزاً تراكمياً خلال الاشهر الـ11 الاخيرة من 2021، بلغ 1.6 مليار دولار مقابل 10.2 مليارات دولار في الفترة عينها من العام 2020. ويُعزى الإنخفاض المذكور إلى تراجع صافي الموجودات الخارجيّة لدى مصرف لبنان بمبلغ قدره 4.18 مليارات دولار، والذي فاق بشكلٍ كبير الزيادة في صافي الموجودات الخارجيّة لدى المصارف والمؤسَّسات الماليّة والبالغة 2.61 ملياري دولار.

نمو القطاع المصرفي في 11 شهراً من كل عام (بملايين الدولارات) (المصدر: بنك عوده)
شارك المقال