اللبنانيون يتوجّسون شراً… موازنةً ودولاراً

هدى علاء الدين

يتوجس اللبنانيون شراً آتياً من موازنة العام 2022 التي تُحضرها لهم وزارة المالية بسبب الخوف من رفع الضرائب والدولار الجمركي وزيادة الرسوم المالية كمصدر للدولة من أجل الحصول على إيرادات تُغطي نفقاتها من جيوبهم. فاللبنانيون الذين شهدوا على انخفاض ملحوظ للدولار لم يلمسوا حتى الآن أي انخفاض بالأسعار التي أدى ارتفاعها الجنوني إلى العبث بقدرتهم الشرائية، ويبدون خشيتهم من أي قرارات موجعة تلوح في الأفق ولا سيما أنه لن يكون باستطاعتهم التكيف معها أو تحمل تكلفتها الباهظة، على الرغم من أن إقرار الموازنة يُعد مطلباً رئيسياً لصندوق النقد الدولي من أجل وضع قطار المساعدات على السكة الصحيحة بالتوازي مع إقرار خطة التعافي الاقتصادية.

اللمسات الاخيرة التي يتم وضعها على الموازنة العامة ترافقت مع إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاستمرار في تنفيذ التعميم 161 بمفاعيله الأساسية وببيع الدولار الأميركي الورقي مقابل الليرة اللبنانية الورقية على منصة صيرفة للمصارف على سعر المنصة ومن دون سقف محدد، مؤكداً أن حجم التداول اليومي عليها لا يمثل عمليات تدخل من قبل مصرف لبنان في السوق النقدية للدولار ولا حجم تدخله، لأن صيرفة لا تتضمن فقط العمليات التي يقوم بها مصرف لبنان مع المصارف، بل يُسجل عليها كل عمليات بيع وشراء الدولار التي تتم في السوق بين المسجلين على هذه المنصة عبر المصارف والصرافين حتى وإن لم يتدخل هو بها. فهل سينجح مصرف لبنان في الاستمرار في خفض سعر صرف الدولار؟ 

انخفاض مرحلي

وفي هذا الإطار، يقول الأستاذ الجامعي والاستشاري في الشؤون المالية والإدارية الدكتور مروان قطب، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن ما يقوم به مصرف لبنان له كلفة تتمثل في استعمال الدولار المتوافر لديه عبر ضخ الملايين من العملة الخضراء في السوق من أجل تخفيض سعر صرفها، مشيراً إلى أن المركزي نجح في ذلك مرحلياً بعد أن تراجع الدولار من 33000 ليرة إلى حوالي الـ 23000 ليرة أي بمعدّل 10000 ليرة للدولار الواحد، تزامناً مع عودة الثنائي الشيعي إلى الحكومة التي شكّلت مؤشرات إيجابية في الداخل اللبناني ولا سيما لناحية استئناف الجلسات الحكومية. هذان العاملان كان لهما الدور الأساسي في انخفاض سعر الصرف، لكن التعميم 161 كان له الدور الأكبر في هذا الانخفاض، يقول قطب. وبالتالي فإن استمرار العمل به يحتاج إلى تدخل دائم من قبل مصرف لبنان وضخ المزيد من الدولار، نافياً أن يستمر هذا الأمر في المستقبل القريب لعدة أسباب أبرزها أن هذا التدخل سيستنزف العملة الصعبة الاحتياطية لديه ويستوجب حسن استخدامها والمحافظة عليها وعدم التفريط بها (سواء كان إلزامياً أم غير إلزامي). كما يجب عدم نسيان أن صندوق النقد الدولي يرفض سياسات التثبيت النقدي التي تسمح للمصارف المركزية بالتدخل من أجل التأثير في أسعار الصرف، من هنا توجد مطالب بتعويم العملة الوطنية. وحسب قطب، فإن هذا الانخفاض المرحلي يأتي مع طلب الرئيس نجيب ميقاتي في مرحلة إعداد الموازنة العامة لعام 2022 وفي إطار التمهيد للتفاوض مع صندوق النقد أن يتم تخفيض الدولار كي يسهل عملية إعدادها، متوقعاً في المرحلة المقبلة أن يُعاود الارتفاع مجدداً والتوجه صعوداً كلما تأزم الواقع السياسي أكثر فأكثر.

موازنة قاسية

ولماذا يتخوف اللبنانيون من إقرار الموازنة؟ يُجيب قطب إن صندوق النقد يطالب بأن تكون الموازنة متوازنة وهو أمر ليس بالسهل، ولا سيما أن هناك من يُطالب بزيادة الأجور للعاملين في القطاع العام وهو أمر مرفوض وفق معايير الصندوق. لذا، هناك دعوة للحكومة بالاستمرار في تقديم المساعدات الاجتماعية والاعتماد على البطاقة التمويلية وعدم تعديل سلسلة الرتب والرواتب، لافتاً في الوقت عينه إلى أن تقديم هذه المساعدات وبدل النقل هي بمثابة إنفاق حكومي لا بد من تغطيته عبر زيادة رسوم الكهرباء والمياه والاتصالات ورفع الدولار الجمركي والدولار الضريبي، معتبراً أن لهذه الخطوات أثراً كبيراً في معيشة اللبنانيين وقدرتهم الشرائية، مشيراً إلى أن البحث الآن يدور حول نسبة رفع الدولار الجمركي أو الدولار الضريبي، لأن بعض الاتجاهات تُشير إلى 22000 ليرة، خصوصاً بعد أن سرّب مستشار رئيس الحكومة نقولا نحاس عن إمكانية إيصاله إلى 15000 ليرة، وإذا ما تم احتساب هذا الرقم على المحروقات فهذا سيولد ارتفاعاً كبيراً في أسعارها وفي أسعار كافة السلع الخاضعة للرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، وسيكون لها تداعيات وآثار سلبية على مختلف القطاعات وعلى تنقل الموظفين إلى أعمالهم وعلى كلفة سيارات الأجرة وكلفة نقل البضائع، وستؤدي حكماً إلى رفع الأسعار بصورة كبيرة جداً. ويرى قطب أن هذا الارتفاع سيزيد من حدة الأزمة الاقتصادية والمعيشية وسيُكبّد المواطن أعباء ونفقات جديدة وسيكون وقعه شديداً وسينهكه وسيؤدي إلى سحقه من الناحية الاجتماعية في ظل غياب تمويل واضح وجدي لبطاقات الدعم وعدم وجود أي بوادر من أجل زيادة مجزية لرواتب الموظفين والعاملين وتسكينهم فقط بمنحهم مساعدات اجتماعية موقتة ومرحلية، معتبراً أن هذه هي المعضلة الأساسية بالنسبة للموازنة وهي حتماً ستخلق إشكالية كبيرة لناحية إقرارها ولا سيما أن البلد مقبل على انتخابات نيابية، متسائلاً هل سيقرّ مجلس النواب موازنة بهذه القسوة على المواطنين أو سيقرّ موازنة شكلية كي يمرر متطلبات صندوق النقد، مستبعداً أن يتم إقرارها بأرقام حقيقية وفعلية واقتصادية لأنها ستكون غير شعبوية وستُسبب نقمة قبل الانتخابات. هذا وتوقع قطب أن يكون الإقرار للموازنة بأرقام شكلية غير واقعية تتطلبها المرحلة الحالية من أجل تنفيذ ما يريده صندوق النقد ظاهرياً.

ازدياد التهريب

وعما إذا كانت زيادة الضرائب ورفع الدولار الجمركي ستزيد فعلاً من إيرادات الدولة، يؤكد قطب وجود فارق بالنسبة للضرائب بين توقعها حسابياً وبين الأخذ في عين الاعتبار العوامل الاقتصادية. فحسابياً ستزيد بطبيعة الحال، أما لناحية العوامل الاقتصادية فهي لن تشهد أي زيادة لأنه يجب الأخذ بالاعتبار أن زيادة الرسوم الجمركية ستؤدي إلى تراجع معدلات الاستيراد والاستهلاك، وبالتالي إلى تراجع في الإيرادات عن الحد المتوقع حسابياً. فإذا كانت الحكومة تتوقع ارتفاع الإيرادات نسبياً بمقدار الزيادة على الرسوم الجمركية، فهذا اعتقاد خاطئ لأن ارتفاع الأكلاف سيقلل من حجم الاستيراد والاستهلاك مقابل زيادة التهريب الذي يتجنب الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، عندها ستكون الزيادة أقل بكثير من المتوقع الذي تستهدفه الحكومة، لافتاً إلى أن الأرقام التي سيتم إدراجها في الموازنة العامة ستكون أرقاماً لإيرادات مُحتسبة بطريقة حسابية وغير منطقية تهدف إلى خلق توازن حسابي شكلي لتمريرها بأقل أضرار ممكنة.

وختم قطب: “الموازنة وفي حال كانت أرقامها واقعية وتأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية، من الصعب أن تمر في مجلس النواب، لذا سيكون إعدادها بأرقام غير واقعية كي يتم تمريرها في المجلس ولا سيما أنه لن يُقر قبل الانتخابات النيابية موازنات تُسبب ضرراً بعلاقة الناخب بالنائب”.

شارك المقال