صندوق النقد: لا تعطوا المودعين وعوداً كاذبة

المحرر الاقتصادي

في ظل الحديث عن أن المصارف رفضت خطة التعافي الاقتصادي والمالي التي تعدها اللجنة الوزارية المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والبيان التوضيحي لجمعية مصارف لبنان عن اجتزاء تصريحات رئيسها سليم صفير إلى وكالة “رويترز” في هذا الصدد، هناك حقيقة واحدة مفادها بأن القطاع المصرفي سجل انكماشاً حاداً يحتاج بنتيجته الى دعاء ومعجزة تعيد إليه الثقة التي لن تكون له قيامة من دونها.

في المعلومات المستقاة من أكثر من جهة، أن صندوق النقد الدولي لا يريد الخطة بصيغتها الحالية لأنه يعتبر أن العبء الأكبر للخسائر المالية سوف يتحمله المودعون خلافاً للممارسات الدولية التي تضع المودع عادة في أسفل الجهات التي ستكون المسؤولة عن تعويض الخسائر. فيما نسبة “ليلرة” الودائع مرتفعة كثيرا وستؤدي الى ضغوط تضخمية عالية لن يكون بمقدور الاقتصاد تفاديها أو معالجتها.

وهذا يعني أن اللجنة الوزارية المكلفة التفاوض مع صندوق النقد الدولي سوف تعدّل الأرقام وفقاً لمطالب الصندوق.

ولكن السؤال هنا هو الآتي: هل تحفظ صندوق النقد الدولي مرتبط فقط بأن الخطة تحمّل المودع العبء الأكبر، أم أن الصندوق يرى أن الحكومة تعد المودعين بما لا قدرة للاقتصاد على أن يدرّه لإرجاع الودائع الى أصحابها؟. إذ لا أموال كافية لإعادة حقوق المودعين وبالقيمة عينها التي تم فيها إيداع هذه المبالغ.

وحتى لو أن الحكومة وفت بوعدها وردّت المصارف الأموال الى أصحابها، فمن أين يؤتى بالمبالغ الأخرى لتكبير الاقتصاد وتنميته؟.

أهم البنود الأساسية التي تضمنتها مسودة الخطة، خمسة كما هو متداول. وتم تقسيم الودائع حسب التالي:

– شطب بنسبة 75 في المئة للفوائد على كل الودائع من 2015 وحتى تاريخه.

– شطب ما نسبته 40 في المئة على جميع تحويلات الودائع من الليرة الى الدولار بعد تشرين الأول 2019.

– الودائع حتى حدود 150 ألف دولار، ستبقى في المصرف وستدفع بالدولار النقدي على مدى 15 عاماً. وقيمة هذا الشطر هو 25 مليار دولار، تقول المسودة انها ستدفع من ميزانيات المصارف. وتوضح المسودة أنه سيصار الى تقويم ميزانية كل مصرف للتأكد من قابليته على سداد المبالغ المتوجبة عليه.

– الودائع التي تتراوح قيمتها ما بين 150 ألف دولار و500 ألف تودع في صندوق استثمار خاص لادارة الاصول تقوم الدولة بانشائه ويكون لهذه الودائع حصتها فيه. مع الاشارة هنا الى أن هذه الودائع ستدفع على مدى 15 عاما وبالعملة المحلية، من دون اخضاعها الى قص، أي حسب قيمتها الحقيقية.

– 55 في المئة من الودائع التي تتخطى قيمة الـ500 ألف دولار تتحول الى اسهم في المصارف، بحيث يصبع مودعو هذه الفئة يملكون ما نسبته 72 في المئة من أسهم المصرف. أما النسبة المتبقية من الودائع التي تتخطى سقف الـ500 ألف فتودع في الصندوق الاستثماري.

وفق الارقام، فإن مطلوبات هذا الصندوق ستكون في حدود 6 مليارات دولار لتغطية الودائع ما بين 150 ألف دولار و500 ألف، و10 مليارات للمودعين الذين يملكون أكثر من 500 ألف دولار. إضافة الى مبالغ أخرى في خانة المطلوبات من الفوائد التي تم شطبها أو الودائع التي تم تحويلها.

وهكذا تكون ديون الصندوق الذي من مهامه سداد قيمة الودائع، في حدود 40 مليار دولار. وتقول المسودة هنا إنه سيصار الى ضخ مبالغ نقدية لتغذية الصندوق، وسط تساؤلات عن كيفية تأمينها في ظل الشح الكبير بالعملات الاجنبية.

فحسب مسودة الخطة، سيؤمن مصرف لبنان 11 مليار دولار نقداً للصندوق و20 مليار دولار بالليرة على أساس سعر صرف منصة صيرفة. كما يحمل الصندوق سندات خزينة تؤمنها الدولة بقيمة 5 مليارات دولار مقوّمة بالليرة.

فماذا لو أخفق الصندوق في سداد هذه الودائع؟ وكيف سيؤمن مصرف لبنان هذه المبالغ التي هي مجموع ما يملكه في وقت لا يزال يؤمن أموالا لبعض السلع والمواد المدعومة؟ والأخطر أن مصرف لبنان سيؤمن مبلغ 20 مليار دولار بالليرة بمعنى انه سيصار الى طبع الليرة سنوياً طوال فترة السنوات الـ15. علما أن خطة الحكومة تعي أن لهذه العملية مخاطرها التضخمية.

المسودة بحالتها الراهنة، معقدة جداً وسيصعب تنفيذها خلال السنوات المقبلة. وحتى لو أدخلت عليها تعديلات، سيكون المودع هو الفريسة الكبرى.

الى ذلك، وفي نظرة سريعة الى أداء المصارف في السنتين الاخيرتين منذ بداية العام 2019، يتبين أن ودائعها الى القطاع الخاص تقلصت بواقع 45 مليار دولار لتسجل 129.5 مليار دولار. ومع استمرار سحب الودائع وفقاً لتعاميم السحوبات الصادرة عن مصرف لبنان، وصلت الودائع بالعملات الى 102.8 مليارين دولار في نهاية كانون الأول 2021.

كما تراجعت التسليفات إلى 27.7 مليار دولار في نهاية العام 2021 من 54.2 مليار دولار في 2019، أي بواقع 26.5 مليار دولار.

شارك المقال