لبنان في عين العاصفة والاستحقاقات على كف عفريت

هدى علاء الدين

لعب لبنان في الوقت الضائع منذ أكثر من عامين، مكلّفاً إياه انهياراً اقتصادياً ومالياً ونقدياً، واستفحالاً سياسياً لم يسبق أن عاشه منذ سنوات طويلة، فغاب عنه الإصلاح المطلوب من أجل الانقاذ وحضر الصراع السياسي على حساب أي حلّ يخفف هول الانهيار الذي كبّد اللبنانيين خسائر هائلة يصعب تعويضها في المدى القصير. فقد شهد لبنان الأسبوع المنصرم سلسلة خطيرة من الأحداث السياسية التي ستُفرمل في حال استمرارها أي تقدم في الملفات الاقتصادية التي لم تعد على ما يبدو أولوية ملحة على الرغم من خطورتها، فالكورونا السياسية التي أدّت إلى شيء لم يكن أحد ينتظره على الإطلاق، حسب توصيف رئيس مجلس النواب نبيه بري، سيكون لها هذا الأسبوع جولة جديدة أبرزها الخميس المقبل موعد مثول المدير العام لقوى الأمن الداخلي أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور تنفيذاً لإدعاء القاضية غادة عون.

استحقاقات مفصلية

ينتظر لبنان المنكوب في الأسابيع القليلة المقبلة استحقاقات مفصلية، وسط تفاؤل حذر من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، إذ سيشهد اليوم أولى الجلسات التشريعية لمجلس النواب على مدى يومين متواليين يتضمن جدول أعمالها عدّة مشاريع قوانين إصلاحية تبلغ 22 مشروعاً أبرزها قانون استقلالية السلطة القضائية، فضلاً عن مناقشة إقرار مشروع قانون فتح الاعتماد الإضافي الاستثنائي بقيمة 320 مليار ليرة منها 260 مليار ليرة لوزارة الداخلية والبلديات و60 مليار ليرة لوزارة الخارجية والمغتربين، مع تخوّف من توتير أجواء هذه الجلسات عبر سجالات قد تفتح ملف اقتراع المغتربين من جديد، قبل أن يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية الاربعاء المقبل في السراي الحكومي عنوانها الأساس سيكون ملف الكهرباء ومناقشة خطة وزير الطاقة التي تطالب بتعديل التعرفة الشهرية وتوقعات بتغذية في التيار الكهربائي 24/24 عام 2026. توازياً، يبدو أن مفاوضات صندوق النقد وحسب آخر المعطيات لا تزال غير مهيئة لأي تقدم ملحوظ، وهذا ما عكسه بيانه الأخير الذي صدر بعد جولة محادثات عقدها مع الجانب اللبناني استمرت لمدة أسبوعين. أما الموازنة العامة والتي تمت مناقشتها في 8 جلسات حكومية، فلا تزال تدور في فلك انعكاساتها القاسية، إذ من المتوقع أن يستغرق إقرارها في المجلس النيابي أسابيع عديدة. وعلى الرغم من أن الموازنة في الظاهر قد توفر فرصة لتصحيح وضع الميزانية الكارثي وفق تعبير الصندوق، إلا أن حجم الخسائر غير المسبوق بالقطاع المالي يتطلب معالجة بطريقة شفافة. 

مطالبات بالإصلاح

لبنان الذي كان حاضراً بقوة في مؤتمر الأمن الذي انعقد في ميونيخ، أشار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامش انعقاده، الحاجة الملحة لتقديم إشارات أقوى على الجدية في الإصلاح من أجل الحصول على دعم المجتمع الدولي، مؤكداً أن لبنان يحتاج أولاً إلى التحرك بهمة لإنقاذ نفسه وإلى ضرورة إرسال النخبة السياسية إشارة أقوى على أنهم يتحركون بجدية نحو الإصلاح عبر العمل من أجل دعم واستقرار الاقتصاد ومعالجة قضايا الفساد وسوء الإدارة والتدخل الإقليمي وفقدان سيادة الدولة. وحسب الأمير فيصل، إذا كانت هناك مبادرة حقيقية لإصلاح الهيكل الاقتصادي وإصلاح هيكل الحكم وإصلاح الطريقة التي يُدار بها الاقتصاد، حينها يُمكن دعوة الدول الإقليمية إلى تقديم كل أشكال الدعم الاقتصادي والتقني والمساعدات التنموية، معتبراً أن العلاج قصير المدى لن يفيد لبنان، الذي انزلق إلى أتون أزمة مالية طاحنة منذ عام 2019، ومشدداً على أن الإصلاح بات أولوية، إذ يتطلب من قادة لبنان النظر بجدية في كيفية حكم بلدهم.

من جهة أخرى، اعتبرت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي، في تغريدة لها عبر “تويتر”، أن التعافي في لبنان يتطلب مساراً تنموياً نشطاً يدعم قيم العدالة الاجتماعية والديموقراطية وكرامة الإنسان، داعيةً الحكومة إلى تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها والكفيلة بصون مبادئ الإنصاف والحقوق والمشاركة والمساواة التي ترتكز اليها هذه العدالة. أما صندوق النقد الدولي الذي وصف الأزمة اللبنانية بـ”المعقدة وغير المسبوقة”، فقد أشار إلى أنه لن يمنح لبنان أي دعم مالي في حال لم تُقدم الحكومة اللبنانية على إجراء أي من الإصلاحات الطموحة والضرورية.

هروب إلى الأمام

هذا وعبّرت مصادر “لبنان الكبير” عن خشيتها من تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في فترة ما قبل الانتخابات، بعدما بات واضحاً أن السلاح السياسي يفرض حضوره على الساحة اللبنانية المستعرة، مشيرة إلى أن الواقع لا يحمل أي خطط إنقاذية سليمة سواء معيشية أم مالية، فالهروب إلى الأمام لما بعد مرحلة إجراء الاستحقاق الدستوري أصبح حقيقة، وكل ما يحصل اليوم من السيطرة على سعر صرف الدولار والإيحاء بالامساك بزمام الأمور النقدية ليست مبنية على أسس متينة وبالتالي ستكون عرضة لأي من العواصف السياسية التي يبدو جلياً أنها تتكاثر في أجواء لبنان.

أما إقرار الموازنة، فتشير هذه المصادر إلى أن هذا الاستحقاق يُخفي وراءه العديد من التحديات في ظل مطالبات بتعديل العديد من بنودها، معتبرة أن إقرارها في المجلس النيابي لن يكون سهلاً ولا سيما أنها أنجزت من دون أي إصلاح يُذكر، مما سيؤدي إلى تفاقم أعبائها على اللبنانيين. وتختم هذه المصادر بالتأكيد على أن الإصلاحات هي وحدها المنقذ اليوم، وأن أي خطة اقتصادية أو موازنة عامة لا تنطلق من تنفيذ رزمة إصلاحية يطالب بها المجتمع الدولي وصندوق النقد ما هي إلا مضيعة للوقت وفشل جديد للطبقة السياسية الحاكمة من إنقاذ اقتصاد لبنان الذي يخفي انهياره كارثة معيشية واجتماعية عميقة وتغييراً واضحاً في بنيته.

شارك المقال