مواجهة قضائية – مصرفية سلاحها المواطن

المحرر الاقتصادي

يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الضغوط على القطاع المصرفي الذي يشكل “عنواناً مثيراً” وسط حماوة الانتخابات النيابية، وبالتالي المزيد من التصعيد بين المصارف والقضاء والذي يجعل من المودع “سلاح” المواجهة.

فبعد قرار المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون منع سفر 5 من رؤساء مجالس إدارات مصارف وحجز ممتلكات وعقارات وأسهم وحصص تابعة لهم، أصدرت رئيسة دائرة التنفيذ في بيروت القاضية مريانا عناني قراراً نُفذ أمس بالحجز التنفيذي على جميع أسهم مصرف “فرنسبنك” وعقاراته وموجوداته بما فيها الخزائن والأموال وختمها بالشمع الأحمر، مما أدى إلى إغلاق كل فروع المصرف في لبنان، وعددها حوالي 50 فرعاً.

وكانت القاضية عناني أصدرت أول من أمس قراراً قضى بإنفاذ الحجز التنفيذي على جميع أسهم “فرنسبنك” وعقاراته وموجوداته، وفروعه وشركاته في كل لبنان تمهيداً لطرحها في المزاد العلني في حال عدم رضوخ المصرف وسداده كامل مبلغ الوديعة وملحقاته فوراً، العائد للمدّعي المودع عياد غرباوي إبراهيم من جمعية “صرخة المودعين”.

هذه الخطوة تؤشر الى إجراءات قاسية ستطال القطاع المصرفي برمته. فالدعوى ضد “فرنسبنك” ليست الأولى التي يرفعها مودع ضد أحد المصارف للحصول على وديعته في ظل غياب قانون يضبط حركة الأموال (الكابيتال كونترول) وهو الذي تطالب به المصارف تفادياً لمواجهة مثل هذه الاجراءات في الداخل والخارج، لكن القضاء لم يبت بها سابقاً. وما حصل بالأمس مع “فرنسبنك” هو بمثابة “أمر عمليات” حيث الهدف من التحرك ضد “فرنسبنك” سياسي قبيل الانتخابات.

كما أن ما حصل ينذر بأزمة تهدد أموال المودعين وحتى رواتب اللبنانيين الموطّنة في المصارف، لا سيما وأن توقف توفير الأموال يطال ماكينات الصراف الآلي أيضاً، كما حصل في حالة “فرنسبنك”.

مصادر مالية رسمت سيناريو متشائماً للمواجهة القضائية الراهنة، بدأ مع الحجز على عقارات “فرنسبنك” وموجوداته، وقد يستتبع بإضراب للمصارف تضامناً معه، وبالتالي توقف التعاملات المصرفية، وفقدان العملة لعدم قدرة المواطنين على سحب أموالهم، وارتفاع جنوني في سعر الصرف، وصولاً الى فوضى عارمة قد تؤدي الى تطيير الانتخابات.

وقد استدعت الاجراءات القضائية تحركاً من جمعية مصارف لبنان التي أصدرت بيانين أمس، وصفت في الأول الاجراءات بأنها “غير قانونية وتعسفية يشوبها عيب تجاوز حد السلطة”، معلنة عزمها على دعوة الجمعية العمومية الى الانعقاد بأسرع وقت ممكن و”الإبقاء على اجتماعاتها مفتوحة”. فيما وصفت عبر البيان الثاني ما يحصل بأنه “تماد فاضح لبعض الجهات لاسيما القضائية في مخالفة القوانين والاستمرار في الممارسات التعسفية والغوغائية التي تؤدي إلى الفوضى القضائية”. وأطلقت تحذيراً مبطناً الى السلطات المعنية، بما فيها التنفيذية، بوجوب”الإسراع في اتخاذ كافة القرارات العاجلة اللازمة لوقف هذه المخالفات القانونية واتخاذ التشريعات اللازمة للتعامل مع الأزمة المالية والنقدية الحالية وعلى رأسها قانون الكابيتال كونترول، وإلا فإن المصارف ستضطر إلى اتخاذ كافة الاجراءات التي تراها مناسبة صوناً لمصلحة المواطنين وللمصلحة الوطنية العليا”.

“فرنسبنك”

مصدر في “فرنسبنك” وصف في تصريح لـ”لبنان الكبير” التحرك بأنه “مجحف” بحق المصرف، موضحاً أن هذا القرار تسبّب في وقف دفع الأموال للمودعين والموظفين الذين يوطّنون رواتبهم لدى المصرف لاسيما موظفو القطاع العام من جيش وقوى أمنية.

وفي المعلومات المتوافرة، أن الدائرة القانونية لدى “فرنسبنك” بدأت التحضير للرد على تحرك عناني ضمن الأطر والأصول القانونية.

على أي حال، أعلن “فرنسبنك” في بيان التزامه بقرار القاضية عناني وبأنه تحت سقف القانون، واعتذر عن “عدم امكانيته تلبية حاجات عملائه، ولا سيما دفع رواتب موظفي القطاع العام وغيرهم”. وأشار البيان الى أن “المتقدم بالشكوى عياد إبراهيم كان قد أغلق حسابه واسترجع كامل وديعته”.

وقالت مصادر إن المصرف كان أصدر شيكاً مصرفياً بكامل الوديعة العائدة للمدعي وأقفل حسابه.

فحيلي

وفي وقت توقعت مصادر مصرفية أن تتفاقم الحملة ضد المصارف على أبواب الانتخابات، كشفت مصادر لـ”لبنان الكبير” أن فرعاً لأحد المصارف الكبيرة في طرابلس تعرض للتكسير منذ أيام والاعتداء على موظفيه.

وتعليقاً على التحرك ضد “فرنسبنك”، قال خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي في تصريح لـ”لبنان الكبير”: “إن مشكلة المودعين هي على حجم وطن، ولن تحل على صعيد مودع بعينه أو مصرف محدد، بل يجب أن يكون الحل شاملاً لأن تجزئة المشكلة تتسبب بمشكلات أخرى”.

وإذ شدد على أن الحل لن يكون عبر القضاء، تساءل: “ماذا لو قرر فرنسبنك التصفية بطريقة ذاتية؟ هذا الأمر يعني أن عملية السداد للمودعين ستستغرق سنوات. وأكثر من ذلك، فإن العقار الذي يملكه المصرف مثلاً والذي كانت قيمته منذ أربع سنوات تقريباً حوالي مليون دولار، لم يعد يساوي أكثر من مئة ألف دولار”. أضاف: “عندها سيتم سداد الودائع بالدولار عبر شيكات مصرفية كما حصل مع حالة جمّال تراست بنك”.

وإذ أبدى قلقه من عدم تمكن الموظفين من قبض رواتبهم الموطّنة لدى “فرنسبنك”، ختم فحيلي تصريحه بالقول: “إذا أطفأت المصارف محركاتها وتوقفت عن ضخ الأوكسيجين أي النقد الذي نحن بحاجة اليه لتمويل فاتورة الاستهلاك، فان عددا كبيراً من المواطنين سيصابون بالاختناق. وهذا ما لا يراه من يقوم بالهجوم على المصارف. فمن واجبات من يهاجم المصارف أن يحمي المواطن أيضاً لأنه بالنتيجة لن يكون هناك اقتصاد من دون مؤسسات مصرفية قادرة ومتمكنة لخدمة الاقتصاد”.

بيان جمعية المصارف

وفي وقت سابق أمس، أعلنت جمعية مصارف لبنان في بيان أن المصارف “آثرت حتى اليوم السكوت عن الاجراءات غير القانونية والممارسات التعسفية والضغوط غير الواقعية وحملات التشهير المستمرة الصادرة عن العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية، حرصاً على حقوق المودعين ومن أجل تجنيب القطاع المصرفي أضراراً إضافية بعد كل ما مرّ به من أحداث وتحديات. وقد تكلّلت هذه الممارسات مؤخراً بمزيد من الاجراءات القضائية غير القانونية والتعسفية التي يشوبها عيب تجاوز حد السلطة”.

أضاف البيان: “إن المصارف لا يمكنها أن تبقى بالرغم عنها في مواجهة مع المودعين لأسباب لا تعود لها ولا تتحمل مسؤوليتها، كما أنها لا يمكن أن تقبل منذ الآن وصاعداً أن تتحمل نتائج سياسات مالية سابقة وتدابير مجحفة صادرة عن السلطات المختصة والتي جعلتها كبش محرقة تجاه المودعين، ولا أن تكون ضحية مواقف شعبوية تصدر نتيجة تموضعات سياسية أو أن تتحمل تدابير غير قانونية صادرة بحقها”. ولفتت إلى أن “استمرار اتخاذ التدابير التعسفية وغير القانونية بحق المصارف تطيح بالقطاع المصرفي وتلحق أشد الضرر بمصالح المودعين خصوصاً في ضوء التداعيات السلبية لعلاقاتها مع المصارف المراسلة الأجنبية، كما أنها تشكّل الضربة القاضية لما تبقّى من الاقتصاد اللبناني”. وقررت الجمعية دعوة الجمعية العمومية الى الانعقاد بأسرع وقت ممكن والإبقاء على اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات وتجاوب المعنيين مع الاحتفاظ بحقها في اتخاذ كافة الاجراءات التي تراها مناسبة صوناً لمصلحة المواطنين وللمصلحة الوطنية العليا.

وكانت القاضية عناني قررت إلقاء الحجز التنفيذي على موجودات المنفذ عليه “فرنسبنك” بما فيها الخزائن وموجوداتها والأموال في صناديقها وذلك في الفرع الرئيسي في الحمراء والفروع الكائنة في مناطق: التباريس، الصيفي، الأشرفية، الجناح، مار الياس، عين المريسة، طريق الجديدة، السوديكو، رأس النبع، الأشرفية – ساسين، المصيطبة، فردان، باب ادريس والعدلية، وتمّ تكليف مأمور التنفيذ القيام بالاجراءات اللازمة.

وكلفت عناني دوائر التنفيذ المختصة خارج بيروت القيام بما يلزم لتنفيذ الحجز على فروع “فرنسبنك” في نطاقها وفق منطوق القرار، وذلك بعد رد طلب وقف التنفيذ المقدم من المصرف من قبل القاضية رولا عبد الله.

شارك المقال