دولار “أمان”: أموال بلا قيمة وأزمة مصارف تُهدده

هدى علاء الدين

بعد أكثر من عامين على تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي وضعت أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر لا بل الفقر المدقع، أتى فُتات المساعدات المالية من باب شبكة “دعم” للحماية الاجتماعية التي تتضمن كلاً من “شبكة الأمان الاجتماعية” و”البطاقة التمويلية”. فعلى وقع غلاء معيشي فاحش وارتفاع كارثي في معدلات التضخم، أقرت الحكومة أخيراً دفع الأموال المخصصة للعائلات الأكثر فقراً وذلك ضمن برنامج “أمان”، الذي يقضي بدفع تحويلات نقدية إلى 150 ألف أسرة لبنانية من العائلات بحسب المشروع الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعي المموّل من البنك الدولي. البرنامج الذي حصل لبنان بموجبه على 246 مليون دولار وصادق عليه مجلس النواب منذ عام، سيُسفر عن تحويلات نقدية شهرية لحوالي 680 ألف فرد بقيمة 20 دولاراً لكل فرد من الأسرة (6 أفراد كحد أقصى لكل أسرة) فضلاً عن مبلغ ثابت قدره 25 دولاراً لكل أسرة، سيغطي أيضاً التكاليف المدرسية المباشرة لنحو 87 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً من أجل الحد من التسرب المدرسي. وبحسب المعلومات المسجلة على منصة IMPACT، فقد بلغ العدد الاجمالي للأسر المسجلة 583 ألف أسرة، منها 200 ألف استوفت معايير الفرز الأولية لـلبرنامج، على أن يتم اختيار 150 ألف أسرة فقط للافادة من مساعدة مالية شهرية بالدولار لمدة سنة سيقوم برنامج الأغذية العالمي بدفعها من خلال وكلاء تحويل الأموال المحليين، بالتوازي مع تمديد مهلة تعديل المعلومات واستكمال المستندات الناقصة لغاية آخر شهر أيار المقبل.

تجديد الدعوة

من جهته، دعا مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار، الحكومة إلى إطلاق خطة التعافي الاقتصادي والاجتماعي في أسرع وقت ممكن بعد أن أصبح الوقت داهماً، مشيراً إلى الحاجة للتوصل إلى إطلاق خطة التعافي واعتماد خطة اصلاح للقطاع الكهربائي بشكل فوري من دون تأخير، وذلك تمهيداً للحصول على الدعم من المجتمع الدولي. وبحسب البنك، فإن نحو 800 مليون دولار من أمواله يتم استخدامها في العديد من المشاريع في لبنان، موضحاً أنه طلب من الحكومة مراجعة وإعداد تخصيص هذه الموارد لا سيما وأن هناك مشاريع بدأت قبل الأزمة ولم تعد اليوم أولية بحيث بات المطلوب تحويل مخصصاتها لمشاريع أكثر أولوية للشعب اللبناني. وأكّد كومار أن الأزمات الحالية في العالم من شأنها أن تفاقم الأزمات لدى اللبنانيين، موضحاً أن هدف البرنامج الطارئ لشبكة الأمان الاجتماعية “أمان” هو بناء نظام شبكة أمان اجتماعية وطنية يسمح للبنان بمواجهة الصدمات المستقبلية.

خطوة متأخرة

وتعقيباً على هذا القرار، أشارت مصادر “لبنان الكبير” إلى أن خطوة الحكومة أتت متأخرة في ظل انهيار شامل أفقد هذه الأموال المنتظرة قيمتها، لافتة إلى أن أقصى ما ستحصل عليه أسرة مؤلفة من 6 أشخاص هو مبلغ لن تتجاوز قيمته الـ 145 دولاراً أي ما يوازي 3.2 ملايين ليرة (حسب سعر صرف الدولار اليوم)، علماً أن أي عائلة تحتاج في هذا الوقت إلى ملايين من الليرات اللبنانية لتلبية احتياجاتها الغذائية ودفع فواتيرها في ظل احتكار وفوضى في أسعار السلع الاستهلاكية وارتفاع مستمر لأسعار المحروقات. فلبنان خلال هذه الأزمة خسر طبقته الوسطى التي تحوّلت بمجملها إلى طبقة فقيرة بعد أن فقدت شبكة أمانها الاجتماعي جراء تسارع وتيرة الانهيارات التي أصابتها وفقدانها مقومات الصمود الطويل. أما الطبقة الفقيرة فقد أصبحت معدومة وتحتاج إلى كميات هائلة من المساعدات المالية وإلى أكثر من منصة داعمة بعدما وقعت ضحية حرب معيشية مدمرة.

ومع تحول أنماط الاستهلاك وارتفاع معدلات التضخم وتآكل القدرة الشرائية، تبقى هذه المساعدات المجتزأة من دون أي تصور فاعل للخروج من الأزمة غير مجدية، لا سيما وأن أعداد من يحتاجونها اليوم تفوق بكثير تلك المعلن عنها مع تجاوز معدلات الفقر الـ 75 في المئة. وبحسب المصادر، لم يعد جائزاً اليوم الاستمرار في سياسة الحلول الترقيعية التي أفقدت لبنان هيكله الاقتصادي وأحدثت تغييرات جذرية في بنيته الاجتماعية، خاصة وأن الفرص كانت سانحة في العديد من المحطات خلال عامي الأزمة لاتخاذ إجراءات صارمة تخفف، تزامناً مع المساعدات المالية والانسانية، من حدتها. فقد حان الوقت للبنان الرسمي أن يُدرك خطورة تأجيل تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، واعتماده الحصري على المساعدات وتحويل اللبنانيين إلى شعب مخذول ومثير للشفقة ينتظر إعانة من هنا وهناك هو سلوك غير مسؤول ولا يرتقي إلى حجم الكارثة التي غيّرت من معالم هذا الوطن.

أزمة مصارف

وعن الأزمة المصرفية التي يشهدها لبنان وما إذا كانت ستؤثر على تنفيذ البرنامج لناحية دفع الأموال، قال مصدر مصرفي رفيع المستوى لموقع “لبنان الكبير”: “لا يوجد تواصل نهائي بين مصرف لبنان والمواطن لجهة صرف النقد لا سيما وأن القنوات التي يستخدمها المصرف المركزي أو البنك الدولي من أجل إيصال الدولار الى المواطن اللبناني يجب أن تكون عبر مؤسسات رسمية أي من البنك الدولي إلى مصرف لبنان عبر حساباته ومن ثم إلى المصارف التجارية ولاحقاً إلى الجهة المستفيدة (المواطن)، وبالتالي فإن البنك الدولي لا يلجأ إلى استخدام مؤسسات التحويل المالية كالـ Omt والـWestern Union “.

في المقابل، أشار المصدر إلى أن “العادة جرت قبل طلب مصرف لبنان من مؤسسات التحويلات المالية تقديم طلبات لكي تُصبح شركات صيرفة رسمية، أن تأخذ هذه المؤسسات سيولتها من المصارف التجارية التي تتواجد فيها حساباتها. اليوم، وعلى اعتبار أنها أصبحت شركات صيرفة رسمية، فهذا يعني أن مصرف لبنان قادر على التعامل معها بطريقة مباشرة، لكن لا بد أولاً من معرفة ما إذا كانت هذه المؤسسات قد تجاوبت فعلاً مع طلب المركزي عبر تعميمه الذي أجاز لها شرعياً أن تتحول إلى منصات صيرفة. وعليه، فإن المؤسسات التي حصلت على هذا الترخيص يحق لها أن تتعامل مباشرة مع مصرف لبنان وأن تكون لها حسابات لديه. وفي هذه الحالة فقط، تأتي الأموال من البنك الدولي إلى حساباته في مصرف لبنان ومن ثم إلى هذه المؤسسات لكي يتم صرفها إلى المستفيدين”.

ولم يستبعد المصدر أن تلجأ المصارف إلى وضع ما يحصل في الآونة الأخيرة على الطاولة من أجل التفاوض لا سيما وأن صرف الأموال إلى المستفيدين عبر بطاقات مصرفية في حال اللجوء إلى هذا الخيار، ستترتب عليه مصاريف تشغيلية إضافية لن تتحملها المصارف بل ستطلب من مصرف لبنان أن يدفع فاتورتها، واصفاً الوضع بـ “رمال متحركة، خاصة وأن أي حركة أو خطوة غير مدروسة بشكل جيد ستعمّق من حدة الأزمة وتُعقدها”.

شارك المقال