تصريحات الإفلاس: براءة ذمة وهمية

هدى علاء الدين

لا تزال مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي “مكانك راوح”، على الرغم من كل التصريحات الإعلامية والزيارات المعلنة التي لم تُثمر حتى اليوم أي تقدم ملموس يُمكّن الحكومة من الحصول على أموال الصندوق التي يُجمع الخبراء الاقتصاديون على أن لبنان يحتاج إلى أضعافها وربما أكثر بسبب تراكم الأزمات التي لا تزال بلا أي حلول ناجعة. فالوقت أصبح عدو حكومة “معاً للإنقاذ” بالدرجة الأولى والأزمات باتت متاشبكة وأكثر تعقيداً.

وعلى وقع زيارة وفد من الصندوق في مهمة حاسمة وفاصلة على مدى أسبوعين، برزت تصريحات نارية ومقلقة لنائب رئيس الحكومة ورئيس وفد التفاوض اللبناني سعادة الشامي قال فيها إن الدولة أفلست وكذلك مصرف لبنان وللأسف وقعت الخسارة، قبل أن يعود ويتراجع عنها قائلاً: “من أنا لأعلن إفلاس الدولة؟”. تصريحات الشامي قابلها ردٌّ من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أوضح أن ما يتم تداوله حول إفلاس المصرف المركزي غير صحيح، فعلى الرغم من الخسائر التي أصابت القطاع المالي في لبنان، والتي هي قيد المعالجة في خطة التعافي التي يتم اعدادها حالياً من قبل الحكومة اللبنانية بالتعاون مع صندوق النقد، ما زال مصرف لبنان يمارس دوره الموكل اليه بموجب المادة ٧٠ من قانون النقد والتسليف وسوف يستمر بذلك.

وتعقيباً على تصريحات الشامي، اعتبر الأستاذ الجامعي والاستشاري في الشؤون المالية والإدارية الدكتور مروان قطب، في حديث مع موقع “لبنان الكبير”، أن هذا التصريح يقتضي ألا يصدر عن نائب رئيس الحكومة ولا سيما أنه هو المسؤول عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي بسبب سلبية هذا التصريح على الأوضاع الاقتصادية والنقدية القائمة في لبنان أولاً، ولسلبيته على مسار التفاوض مع الصندوق ثانياً. وأشار إلى أنه عندما يقول مصدر رسمي أن لبنان مفلس وهو مُقدم على إبرام اتفاقية مع صندوق النقد بهدف الحصول على قرض مالي منه، فإن هذا سيُضعف موقفه وسيجعل شروط الصندوق قاسية عليه. وبالتالي فإن هذا التصريح لم يكن في موضعه ولا يمكن أن يُطلقه مرجع حكومي يتولى مهاماً ومسؤولية وطنية.

وحسب قطب، فإن مطالب صندوق النقد الدولي باتت معروفة وهي إعادة هيكلة القطاع المصرفي، إقرار قانون الكابيتال كونترول، تعديل قانون السرية المصرفية، ووضع خطة تعافي منطقية ذات جدوى وفعالية اقتصادية، مستبعداً الوصول إلى اتفاق في ظل هكذا ظروف ولا سيما أن حكومة لبنان حالياً هي حكومة ما قبل الانتخابات في حين أن وضع حاكمية مصرف لبنان أصبح مهتزاً وغير ثابت ولا يمكن لها أن تقوم بأي خطط إصلاحية خصوصاً لجهة إعادة هيكلة القطاع المصرفي. هذا ولفت قطب إلى أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي تواجه رفضاً من جهة في الحكومة بحيث تُطالب عوضاً بإعادة هيكلة إدارة المصارف وهو ليس ما يطالب به الصندوق الذي يريد دمج المصارف لا سيما أن عدد المصارف يُعد كبيراً على بلد بحجم لبنان. وانطلاقاً من هنا لا بد من بقاء المصارف القوية والتي لديها القدرة على مواجهة المخاطر وتملك الصلابة والسيولة والملاءة الكافية لكي تقوم بدورها القطاعي والمصرفي. أما بالنسبة لقانون الكابيتال كونترول، فهو قانون غير شعبي ودائماً ما يُشكل موضع تجاذب ورُفض في مجلس النواب أكثر من مرة، لذا من الصعب إقراره قبل الانتخابات النيابية. وفيما يتعلق بخطة التعافي، فهناك اعتراض عليها من قبل صندوق النقد لأنها حمّلت جزءاً كبيراً من الخسائر إلى المودعين مقابل نسبة قليلة تقع على عاتق المصارف ومصرف لبنان والدولة اللبنانية، وهو ما يرفضه الصندوق رفضاً قاطعاً.

وعما هو منطقي بالنسبة لخطة التعافي، فيجب أن يكون هناك معالجة لسعر صرف الدولار وإيجاد حل جذري له، مشيراً إلى أن إعادة الودائع بالليلرة (تحويلها من دولار إلى ليرة) وضخ كميات هائلة من الليرة في الاقتصاد الوطني سيدفع الدولار إلى الوصول لمستويات خيالية، معتبراً أن خطة التعافي الحكومية التي وضعها مصرف لبنان والقطاع المصرفي تراعي وضعهما الراهن لكن لا تراعي أوضاع المودعين، الأمر الذي سيؤدي حكماً إلى تقلبات اقتصادية ونقدية داخلية صعبة جداً. من هنا، فإن صندوق النقد الدولي يعتبر ما ورد في الخطة كلاماً غير اقتصادي سيؤدي إلى أزمات كبيرة.

وختم قطب: “ما زلنا في إطار التجاذبات ولا أعتقد أن الحكومة الحالية قادرة على القيام بهذا الدور، خصوصاً أن صندوق النقد يسعى في المرحلة الأولى إلى وضع اتفاق يأتي في إطار إعلان نوايا، لكن لا يسعى إلى اتفاق نهائي يتم على أساسه منح القروض للبنان”.

إذاً، لا تزال الحكمة في التعاطي والتصريحات غائبة عن مكونات السلطة الحاكمة اليوم، وعلى الرغم من أن الأزمات التي يشهدها لبنان اليوم لا يمكن تحميلها لجهة واحدة، غير أن إعلان إفلاس لبنان الذي بدأ منذ السابع من آذار 2020 وما تبعه لاحقاً من محاولة تبرئة الذمة وتحميل المواطن والمودع مجمل الخسائر بحجة الإفلاس عوضاً عن إيجاد الحلول لإعادة تكوين هذه الودائع على المدى الطويل، ما هي إلا أساليب لسياسة الذعر والخوف واللامسؤولية التي يتم انتهاجها منذ أكثر من عامين.

شارك المقال