مرسوم الحكومة يدحض حُجج وزراء الطاقة

هدى علاء الدين

يعود معمل الذوق إلى واجهة التساؤلات من جديد خاصة بعد أن منحت الحكومة اللبنانية شركة “ليكويغاز” الترخيص بإشغال واستثمار مساحة 38،164 متراً مربعاً من الأملاك العامة البحرية المتاخمة للعقار رقم 877 من منطقة ذوق مكايل العقارية، على أن تدفع الشركة المذكورة إلى صندوق رئاسة مرفأ جونية لقاء هذا الإشغال بدلاً سنوياً قدره 252،198،000 ليرة لبنانية فقط. هذا المعمل الذي قيل عنه سابقاً انه لا يُمكن أن يكون بديلاً عن معمل سلعاتا بسبب عدم وجود أراض إضافية إلى جانبه تابعة لمؤسسة كهرباء لبنان أو لوزارة الطاقة تكفي لبناء معمل جديد، يطرح اليوم علامات استفهام كثيرة لناحية توافر هذه الأمتار التي لو تم استغلالها منذ سنوات لكانت وفرّت على اللبنانيين جزءاً لا بأس به من معاناتهم مع الكهرباء.

في حزيران العام 2017، صرّحت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني أنه لا توجد أرض إضافية مستملكة في معمل الذوق، فالمساحة بأكملها مبنية ولا مكان كافياً لبناء معمل جديد. وإذا كان الطرح هو استملاك أرض جديدة في الذوق فالسؤال هو هل تُعتبر الاستملاكات في الذوق أقل كلفة من الاستملاكات في سلعاتا؟. ليأتي الجواب من الحكومة بعد خمس سنوات من سؤالها “نعم”…

وفي هذا الاطار، اعتبرت مصادر “لبنان الكبير” أن هكذا أملاك بحرية لا يُمكن أن تؤجر بهذه القيمة المتدنية لشركة بحجم “ليكويغاز”، متسائلة كيف لشركة تعتمد سعر السوق السوداء في عملها أن تقبل على نفسها بالدفع للدولة على سعر 1500، أم أن الأسعار كانت باهظة في السابق في الذوق واليوم أصبحت رخيصة؟. وأشارت المصادر إلى أن وزيرة الطاقة السابقة أقامت معركة لدى الحديث عن تأهيل معمل الذوق وتوسيعه، وحين كان يتم السؤال لماذا تريدون هدم معمل الذوق والذي يستغرق 7 سنوات لبدء إعماره من جديد خاصة وأن المعمل موجود، ولماذا عدم السير بفكرة إنشاء Unit جديدة على الغاز في الأرض الملاصقة له على أن يتم بعدها المباشرة في عملية تهبيط الـ Unit القديمة؟ يكون الجواب واحداً “لا توجد مساحات كافية والأرض ليست تابعة لوزارة الطاقة”، ليظهر لاحقاً أن هناك 36 ألف متر مربع وهي مساحة أكثر من كافية لبناء معمل جديد، وأن كل ما كان يُقال لم يكن سوى حجة من أجل عدم إنشاء معمل جديد في الذوق قبل هدم المعمل القديم.

وبحسب مصادر “لبنان الكبير”، فإن التوجه كان دوماً نحو سلعاتا، وبما أن الموقع هناك لم يكن كافياً لإنشاء المعمل فكان لا بدّ من ردم البحر الذي يُكلف الملايين من الدولارات، ومن ثم إقامة المعمل عليه، متجاهلين المساحة المتوافرة بالقرب من معمل الذوق التي كانت تُساعدهم على زيادة الطاقة الانتاجية ومن ثم البدء تدريجياً بهدم المعمل القديم من دون الحاجة إلى إيقاف التغذية.

أما عن محطة التغويز في سلعاتا، وهي المحطة التي تُحوّل الغاز السائل إلى بخار جاهز للاستعمال في المعامل، فأوضحت المصادر أن التوجه أيضاً كان نحو إنشاء محطة تغويز في البحر في سلعاتا ومن ثم تمديد أنابيب من سلعاتا إلى الذوق، وكلّ ذلك قبل البدء بإنشاء المعمل سلعاتا. ولدى السؤال لمَ لا يتم وضعها في الأراضي بالقرب من معمل الذوق، كان التبرير بالحجة ذاتها أن الأرض غير صالحة هناك ولا بدّ أن القيام بهذا المشروع في سلعاتا هو التكتيك المعتمد.

المصادر التي لم تُحبذ الدخول في أي تصميم يناسب الشبكة أكثر، لأن لذلك علاقة مباشرة بكيفية توزيع المعامل وأين يجب بناؤها، لفتت إلى أن بالإمكان الذهاب إلى خيار المعامل الكبيرة التي تسمح بإنتاج طاقة بشكل كبير (3 أو 5 معامل)، وذلك وفقاً لكيفية توزيع الحمل على الشبكة. وبالتالي، فإذا كان هناك من ضرورة لمعمل سلعاتا فذلك سيعود إلى تصميم الشبكة وليس أين يجب أن يكون موقعه (في سلعاتا، في غير سلعاتا، أو لا حاجة اليه أبداً). وفي حال كانت هناك ضرورة لبنائه في سلعاتا فهل الضروروة تُبيح تعطيل بناء معمل الذوق أو معمل دير عمار الذي وافق عليه مجلس الوزراء ووجد حلاً لمسألة الـ TVA التي كانت عالقة مع وزارة المالية، وتمت الموافقة عليه B.O.T لكن لم يتم تنفيذه بعد ربط الخطة الكهربائية سياسياً (أي معمل قبل الآخر وفي أي منطقة يتم وضع محطة تغويز أمام منطقته) عوضاً عن تطبيقها تقنياً.

“كل الخطط التي لها علاقة بالكهرباء هي خطط للإعلام فقط ولا تصبح حقيقية إلا عندما يتم تنفيذها”، قالت المصادر. وإذ أشارت إلى أن وضع أي خطة ليس بالأمر الصعب فكل ما تحتاجه هو عدد من الخبراء لكتابتها، ويبقى الأهم القدرة على تنفيذها ومعرفة ماذا طبق منها، ذكرت بأنه حين تم التوافق في مجلس الوزراء على خطة الكهرباء، طُلب من وزارة الطاقة بموجبها إزالة التعديات وصيانة الشبكة كي لا يتم هدر نصف كمية الانتاج، متسائلة “لماذا لم يتم تنفيذها على الرغم من أن أحداً لم يعترض على هذه الإجراءات، ولماذا كان النقاش دائماً حول باخرتين إضافيتين؟”.

وختمت المصادر بالقول: “حتى تلزيم استشاري كي يقوم بإعداد دفتر الشروط للمعامل التي وافق عليها مجلس الوزراء في العام 2017 لم يتم حينها… فمعامل الذوق وسلعاتا وغيرهما ليست لديها دفاتر شروط أو أي دراسة مالية مفصلة، بل جميعها قائم على تقديرات مالية ليست دقيقة”.

إذاً، استملاكات بتكلفة زهيدة حصلت عليها شركة “ليكويغاز”، فلماذا لم تحصل عليها وزارة الطاقة من أجل إقامة معمل إضافي في الذوق أم أن الأولوية حينها كانت لمعمل سلعاتا على الرغم من تكلفة الاستملاكات وردم البحر الباهظة الثمن؟ وطالما أنه لا يوجد معمل في سلعاتا فلماذا إنشاء محطة تغويز في البحر وجر الأنابيب إلى الذوق بتكلفة عالية؟ لماذا ردم البحر في ظل وجود أرض جاهزة بمحاذاة معمل الذوق ولا تُكلف أموالاً طائلةً كتلك التي ستصرف على إنشاء معمل سلعاتا، وللمفارقة أنها الأرض نفسها التي تم تأجيرها لشركة “ليكويغاز”، لكن حينها لم تكن صالحة ومساحتها صغيرة وغير كافية؟ فما الذي تغير اليوم؟

شارك المقال