الاتفاق مع “الصندوق”… إلى اللقاء بعد الانتخابات

المحرر الاقتصادي

اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم تنفسوا الصعداء عند كشف النقاب عن الاتفاق الأولي بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، والذي كان يفترض أن تتوصل إليه حكومة الرئيس حسان دياب. فهم يرون فيه بدء نهاية النفق المظلم الذي أدخلتهم إليه السلطة السياسية التي أمعنت في إذلالهم وصادرت أموالهم وجنى عمرهم… وأحلامهم.

لكن الخوف من أن يصار الى تسويق هذا الاتفاق الأولي، وهو لا يزال في طور “إعلان نوايا” غير ملزم، بمثابة نصر للحكومة قبيل الانتخابات النيابية في 15 ايار المقبل، وأن يبقى في صيغة “الأولي” إذا لم تنجز الاصلاحات المطلوبة.

صحيح أن البيان المفصل الصادر في ختام زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى بيروت برئاسة إرنستو راميريز، رسم مساراً قال إنه يوصل لبنان إلى الاتفاق النهائي، ولكن في الواقع، يفتقر البيان إلى تفاصيل مهمة مرتبطة بحقوق المودعين. فهو لا يعرض آلية توزيع الخسائر المالية التي كانت سبباً في قبول الصندوق توقيع الاتفاق الأولي. الا أن ما كُتب يؤشر الى عدم تحميل الدولة مسؤولية الانهيار وتوزيعه تراتبياً على المودع أولاً وبعده المصارف ثم الدولة. ويبدو أن هذا هو التوجه في الخطة المالية التي تعدلها الحكومة راهناً والتي ستكون منجزة قريباً.

جمعية مصارف لبنان التي أعلنت أمس أنها لم تحصل على تفاصيل الخطة المالية لاعادة الهيكلة وتوزيع الخسائر على القطاعات المعنية كافة، توقعت أن تشمل الخطة توزيعاً عادلاً للخسائر على الحكومة ومصرف لبنان، نظراً الى تراتبية المسؤوليات وبهدف تعزيز عملية استعادة المودعين لودائعهم.

وأكدت في بيان ترحيبي بالتوصل إلى اتفاق أولي مع الصندوق، أن القطاع المصرفي كان ولا يزال محرّكاً رئيساً للنمو وركيزة من ركائز الاقتصاد اللبناني، وهو يتطلع الى استعادة هذا الدور الحيوي بغية دعم لبنان في تعافيه الاقتصادي. كما أنه على أتم الاستعداد لدعم الحكومة للوصول إلى حلٍّ عادلٍ يضمن مستقبلاً مزدهراً للبنان.

وأعادت مصادر مالية التذكير بما أعلنه منذ أيام نائب رئيس الحكومة رئيس اللجنة المكلفة التفاوض مع صندوق النقد سعادة الشامي حول إفلاس الدولة واللغط الذي رافق تصريحه، متسائلة عما اذا كان هذا الأمر يستهدف جس نبض الناس حول ما ستقدم عليه الحكومة. فالتصريح يشير إلى أن لا نية للدولة في إرجاع الأموال الى مستحقيها.

الدعم والترحيب لا يكفيان

صحيح أن الإعلان عن الإتفاق الأولي لقي ردوداً مرحبة من كل المسؤولين في الدولة، لكن الدعم اللفظي لا يكفي، بل المطلوب إقرار مشاريع القوانين التي ينص عليها الاتفاق وأهمها “الكابيتال كونترول” وموازنة العام 2022 وتعديل قانون السرية المصرفية. وقد يكون تشريع هذه القوانين صعباً في الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة في 15 أيار، وهو ما يعني أن التوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد سيمتد الى ما بعد الانتخابات، وهذا ما أكده أصلاً مستشار رئيس الحكومة النائب نقولا نحاس الذي أشار أمس الى أن الجانب الأكبر من حزمة الإصلاحات سيُترك إلى المجلس النيابي الجديد لدراسته، لافتاً إلى أنه لم يتبق سوى أسابيع قليلة قبل الانتخابات، وإلى انشغال النواب بحملاتهم الانتخابية.

وعن الإصلاحات، قال نحاس: “لم يكن من المفترض أن يتم ذلك في غضون أسابيع قليلة، ولن يقول أي شخص جاد إنه ينبغي القيام به في هذا الإطار الزمني”، مضيفاً: “ان مجلس النواب قد يوافق على قانون الكابيتال كنترول وقانون الموازنة قبل الانتخابات”.

وأوضح أن “الاتفاق هو نوع من المعايير لما يجب أن يأتي بعد الانتخابات. لذلك، بعد الانتخابات سيبدأ مجلس النواب في دراسة هذه الإجراءات بسرعة وبعد ذلك سنرى كيف نمضي قدماً”.

وحتى لو كان مجلس النواب الحالي سيعقد جلسة تشريعية قبل موعد الانتخابات، فالقوانين المطروحة لم تجد بعد توافقاً سياسياً حولها، كما حصل مع مشروع قانون “الكابيتال كونترول” الذي رفضته اللجان المشتركة وأرسلته مجدداً الى الحكومة التي بدورها أدخلت تعديلات طفيفة عليه وأعادته الى المجلس النيابي حيث أحاله الرئيس نبيه بري أمس الى اللجان المشتركة. مع العلم أن المشروع الحالي يتضمن الكثير من الثغرات لاسيما في ما يتعلق بالصلاحيات المنوطة باللجنة التي يطالب مشروع القانون بانشائها للتأكد من تطبيق القانون. فالمشروع يضع الاقتصاد بإدارة لجنة من 5 أعضاء (يسمي رئيس الحكومة 3 منها بدلاً من مجلس الوزراء الذي يحق له وحده وضع السياسات العامة في البلاد).

وكذلك الأمر بالنسبة الى تعديل قانون السرية المصرفية الذي، في حال تمريره فسيكشف خفايا ما يملكه الـPP,s أو الشخصيات السياسية.

في هذا الاطار، قال الشامي أمس: “إن تعديل قانون السرية المصرفية، قد يرسل إلى مجلس النواب في القريب العاجل، تليه إعادة هيكلة قطاع المصارف”. وأكد أن “متطلبات الصندوق قد تقر قريباً جداً في الحكومة، لكن بالنسبة الى مجلس النواب، فهو الذي يقرر متى يدرس مشاريع القوانين”، معرباً عن أمله في أن تقر تلك المشاريع قبل الانتخابات النيابية.

لا ثقة

قالت مصادر مالية إن الطريقة التي وضع فيها نص البيان تنم عن انعدام الثقة بين الطرفين. فهو اشترط على لبنان تنفيذ ثمانية إجراءات وإصلاحات جوهرية قبل عرض الاتفاق على مجلس ادارة الصندوق ليحصل لبنان على 3 مليارات دولار تستوفى على مدى 4 سنوات، وذلك في إشارة واضحة إلى أن المجتمع الدولي لم يعد يثق بالوعود التي تطلقها السلطة السياسية، والتجارب السابقة خير دليل. فلبنان كان بامكانه أن يستفيد من أكثر من 11 مليار دولار لو طبق الإصلاحات التي تعهد بها في مؤتمر “سيدر” في العام 2018، ولكان تفادى الوصول الى الحال التي هو عليها اليوم لو طبق إصلاحات مؤتمر باريس 1 و2 و3.

على أي حال، ليس الوقت وقت الوقوف على الأطلال من منطلق “أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”.

سلامة

قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس لوكالة “رويترز” إنه يأمل في تلبية الشروط المسبقة التي حددها صندوق النقد الدولي. ولفت إلى أن “الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيسهم في توحيد سعر الصرف”، مؤكداً أن المصرف المركزي “تعاون وسهّل المهمة”.

إلى ذلك، أعلن سلامة أن احتياطيات الذهب لدى المصرف المركزي بلغت نحو 286 طناً بقيمة تعادل 17.5 مليار دولار في نهاية شباط.

شارك المقال