خطة التعافي “تشطب” مسؤولية الدولة على حساب المودع والمصارف

المحرر الاقتصادي

في وقت كانت لجنتا المال والموازنة والادارة والعدل تعقدان جلستهما المشتركة لبحث مشروع القانون الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية (الكابيتال كونترول)، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يلتقي وفداً من جمعية مصارف لبنان برئاسة سليم صفير، حيث تناول الوضع خطة التعافي المالي والاقتصادي التي باتت شبه منجزة والتي يفترض أن تكون مظلّة للحل المستدام بعد عامين من أزمة مركبة أطاحت كل مقومات الاقتصاد.

خلال الاجتماع، لفت ميقاتي إلى أن “كل ما يُقال عن التفريط بحقوق المودِعين وضرب القطاع المصرفي هدفه إثارة البلبلة وتوتير الاجواء”، وأن “من أولويات الحكومة في المعالجة الاقتصادية هي الحفاظ على حقوق المودِعين وليس التفريط بها”. وقال للمصارف إن “خطة التعافي تعطي الأولوية للحفاظ على حقوق الناس وإعادة تفعيل مختلف القطاعات الإنتاجية، وأيضاً المحافظة على القطاع المصرفي الذي يشكل عنصراً أساسياً في التعافي الاقتصادي”.

وتقول مصادر مصرفية إن جمعية مصارف لبنان نقلت إلى ميقاتي تحفظ المصارف على بنود هذه الخطة التي قالت المصادر إنها استقتها من الاعلام، موضحة أنها، كما يبدو، لا تحمّل الدولة مسؤولية الخسائر التي تم تسجيلها على مر السنوات السابقة بينما تتحمل هي المسؤولية الأساسية عن التخلف عن السداد. وإذ تلفت المصادر إلى ان هناك محاولة لتصفية ممنهجة للقطاع المصرفي وللمودعين، توضح أن الخطة توزع الخسائر بشكل غير عادل بين مصرف لبنان والمصارف التجارية والمودعين.

وتتساءل المصادر المصرفية كيف يؤيد صندوق النقد الدولي خطة تسمح للبلد المتخلف عن السداد بفرض الخسائر على دائنيه؟ فالمصارف استثمرت في شهادات إيداع صادرة عن المصرف المركزي ووضعت إيداعات في مصرف لبنان الذي موّل الدولة، وهي بدورها من أنفق هذه الاموال على تمويل العجز المتنامي للمالية العامة، وتمويل الدين العام وخدمته، وتمويل الاستيراد بالدولار والذي أدى الى تسجيل عجز مزدوج في الحساب الجاري والخزينة.

وتضيف المصادر المصرفية أن الدولة ليست مفلسة انما تعاني مشكلة سيولة وليس مشكلة ملاءة. فهي تملك أصولاً سيادية يمكن نقلها إلى شركة تديرها باحتراف وتدر عائدات ممكن ان تساهم في اعادة تكوين الودائع. وتؤكد أن المصارف لا تتنصل من مسؤولياتها أبداً، لكنها تعتبر أن هذه المسؤولية تأتي تراتبياً بعد الدولة والمصرف المركزي.

وترى أن عدم إقرار قانون للكابيتال كونترول ساهم في تعميق الأزمة النقدية والمالية التي يعانيها اللبنانيون اليوم، وفي استفحال أزمة المودعين الذين يدّعي الجميع بأنهم يعملون من أجل ضمان استعادة حقوقهم.

في المعلومات المستقاة من أكثر من جهة أن الحكومة قدّرت في مسودتها حجم الخسائر بـ73 مليار دولار، وأنها تعكف حالياً على إجراء مراجعة للميزانية العمومية لمصرف لبنان – وهي مهمة تتولاها شركة KPMG بناء على المعايير التي حددها صندوق النقد الدولي – وأن المرحلة الاولى من هذه المهمة أُنجزت وتركزت على تقدير الاحتياطات الصافية بالعملات لدى المصرف المركزي. وبناء على المراجعة، سوف يتم شطب حوالي 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان بالعملات ازاء المصارف التجارية.

كما تنص الخطة على إعادة رسملة مصرف لبنان عبر سندات سيادية بقيمة مليارين ونصف المليار دولار، وسوف يلغى ما تبقى من خسائر سلبية في رأس المال، تدريجياً على مدى خمس سنوات.

وفي المرحلة الثانية، سيصار الى إعادة رسملة المصارف التجارية القابلة للاستمرار توازياً مع حل تلك غير القابلة للاستمرار. وتقول الخطة إنه من الضروري إعادة رسملة المصارف لتسوية الخسائر الناجمة عن اعادة هيكلة الديون السيادية، والتزامات مصرف لبنان وتعثر محافظ القروض الخاصة بها، ووقع توحيد سعر الصرف على ميزانيات المصارف. وتعتبر أن هذا الاجراء مهم “ليصبح القطاع المصرفي قادراً على دعم تعافي الاقتصاد. وسوف يتطلب كل ذلك مساهمات كبيرة من المساهمين والدائنين للمصرف من غير أصحاب الودائع، ومع ذلك قد لا يكفي كل ذلك لاعادة المصارف الى حالتها الصحية، فان هذا الامر سيتوجب مساهمات ضخمة من كبار المودعين”.

وهذا يعني، حسب الخطة، شطب رأس المال وسندات المديونيات الثانوية ثم ودائع الاطراف ذات الصلة لاستيعاب الخسائر.

الكابيتال كونترول

الى ذلك، تؤكد المصادر المصرفية أن عدم إقرار قانون للكابيتال كونترول ساهم في تعميق الأزمة النقدية والمالية التي يعانيها اللبنانيون اليوم، وفي استفحال أزمة المودعين الذين يدّعي الجميع بأنهم يعملون من أجل ضمان استعادة حقوقهم.

وفي هذا الاطار، أعلن النائب نقولا نحاس أن “مشروع قانون الكابيتال كونترول يجب ان يقرّ في أسرع وقت ممكن، وإلا فالوضع سيزداد سوءا والخناق سيضيق أكثر على اللبنانيين”. وأوضح أن “الكابيتال كونترول لا صلة له بالودائع، بل غايته الأساسية إعادة بناء ميزان المدفوعات”، مشيرا الى ان “الودائع لن تعود إلا إذا كان هناك عملية نهوض اقتصادية”.

لكن مصادر مالية رأت لـ”لبنان الكبير” أن مجلس النواب تأخر كثيراً في إقرار قانون الكابيتال كونترول، و”هو أمر كان يفترض أن يتم بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية المركبة منذ سنتين حين كانت الأموال لا تزال موجودة لدى المصارف”. وتعتبر المصادر أن إقرار القانون اليوم فَقَد الهدف من جدواه، لأنّ أصحاب الودائع تمكّنوا من إخراج أموالهم على مدى العامين الماضيين.

وتلفت المصادر إلى أنه يوجد اليوم فعلياً “كابيتال كونترول”. إذ يستحيل على أي مودع أن يجري تحويلاً من وديعته إلى الخارج بعدما وضعت المصارف ضوابط وقيوداً على السحوبات والتحويلات بشكل استثنائي منذ عامين من دون مسوغ قانوني.

وتضيف أن قانون الكابيتال كونترول يعيق إعادة إطلاق عجلة النمو. فـ”لبنان يحتاج الى الاستثمارات لاستعادة عافيته الاقتصادية، فيما هذا القانون يقيّد رؤوس الاموال المستثمرة في لبنان. وبالتالي، فان جذب المستثمرين سيكون مستحيلاً في ظل تدابير تمنعهم من إخراج عائدات استثماراتهم”.

وبالنسبة الى اللجنة التي يطالب مشروع القانون بانشائها للتأكد من تطبيق القانون، هذا يعني، حسب المصادر المالية، أن المشروع يضع الاقتصاد بإدارة لجنة من 5 أعضاء (يسمي رئيس الحكومة 3 منهم بدلاً من مجلس الوزراء الذي يحق له وحده وضع السياسات العامة في البلاد). كما إن هذه اللجنة المصغرة ستُمنح صلاحيات استثنائية مطلقة وهي من سيمنح ويحجب الإستثناءات للتحويلات. وتسأل المصادر: هل تأكد صندوق النقد الدولي من الصلاحيات المنوطة بهذه اللجنة ومن معايير عملها بعيداً عن اي استنسابية؟

وختمت: “يبدو أن إصرار صندوق النقد الدولي على تمرير قانون الكابيتال كونترول مرتكز الى أنه لا يمكنه أن يمنح تمويلاً الى لبنان ثم يجد هذه الأموال تتسرّب إلى الخارج بحظوة النافذين”.

وقفات احتجاجية

وفي هذا السياق، نفذت نقابة المحامين في بيروت وقفة احتجاجية في بيت المحامي، شارك فيها عدد من المحامين خصوصا المتدرجين منهم، وفي “ثوب المحاماة”، اعتراضا على قانون الكابيتال كونترول بصيغته المقترحة بمعزل عن رزمة القوانين الأخرى الملازمة.

وتحدث النقيب ناضر كسبار فقال في بيان: “من أكثر المواضيع غير الخلافية في لبنان هي اموال المودعين وهي قضية وطنية وانسانية واجتماعية بامتياز. اموال المودعين هي تعب كل واحد منا تعذب هو واهله ووضعوا بدل اتعابهم في المصارف بكل حسن نية وبعد فترة تختفي هذه الاموال وبعد سنتين يأتون ليتحدثوا عن الكابتال كونترول. لا احد يعرف كيف يعمل المسؤولون عندنا وكيف يحللون وكيف يأتون الآن بمشروع خطير”.

كما نفذت نقابات المهن الحرة في الشمال ونقابة محرري الصحافة وقفين احتجاجيتين على الوضع المصرفي وتقييد السحوبات وتجاوز القوانين ومحاولة تمرير قانون الكابيتال كونترول بالصيغة الحالية.

شارك المقال