البنك الدولي يتوقع انكماش النمو في لبنان الى 6.5% في 2022

المحرر الاقتصادي

توقع البنك الدولي أن ينكمش الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 6.5 في المئة في العام 2022 إذا لم تتغير سياسات الإستجابة للأزمة الحالية، وفي حال عدم وجود حد أدنى من الإستقرار السياسي والأمني. وقدّر أن يكون الإقتصاد في لبنان قد انكمش بنسبة 10.5 في المئة في العام 2021 بعدما كان قد إنكمش بنسبة 21.4 في المئة في العام 2020 نتيجة عدم توصّل أصحاب القرار الى خطّة لمواجهة الإنهيار الإقتصادي.

هذا ما جاء في تحديث لتقرير البنك الدولي حول الآفاق الاقتصادية للبنان، في وقت أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الربيع التي تعقد حالياً في واشنطن بين الصندوق والبنك الدوليين، أن الوضع مروّع ومزرٍ في لبنان، وأن بعثة الصندوق التي أبرمت اتفاقاً على مستوى الموظفين مع لبنان ستتأكد من تنفيذ الجانب اللبناني الشروط قبل رفع الاتفاق الى مجلس ادارة الصندوق.

جورجييفا 

ولدى سؤالها عن أسباب مساعدة صندوق النقد الدولي للبنان على الرغم من إعلانه إفلاسه، وفي وقت يسود الفساد، وعن سبب توقيع الصندوق اتفاقاً على مستوى الموظفين من دون طلب إصلاحات، ردت جورجييفا قائلة: “تعاملنا مع لبنان لفترة طويلة. نحن نقدّر كثيراً الضغط الذي يمارسه المجتمع المدني في لبنان من أجل برنامج مفيد للشعب اللبناني، وهذا ما نريده. لماذا نحن منخرطون في هذا؟ لأن الوضع مروع ومزرِ للغاية بالنسبة الى سكان البلاد، فإن تغيير الاتجاه والإصلاحات التي يمكن أن تحقق الاستقرار في الاقتصاد أمر بالغ الأهمية”.

أضافت: “في هذا السياق، توصلنا إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع وجود شروط مسبقة قوية للغاية لنقل البرنامج إلى مجلس الإدارة لدينا، وفريقنا ملتزم بالتأكد من تلبية هذه الشروط المسبقة. إنه أمر صعب، لكن لا يمكننا السماح للبلد بالاستمرار في الانزلاق إلى الحافة مع الكثير من الألم المفروض على الشعب اللبناني”.

موديز

وعلّقت وكالة التصنيف الدوليّة “موديز” على الإتّفاق مع صندوق النقد الدولي الذي قالت إن التمويل من خلاله سيكون مشروطاً بخطوات محدّدة كان طلبها الصندوق كموافقة الحكومة على خطّة لإعادة هيكلة المصارف تحمي صغار المودعين وخطّة تعاف متوسّطة المدى. 

وبحسب وكالة التصنيف، فإنّ إتّفاق التمويل الخارجي مشروط بإعادة هيكلة شاملة للدين الخارجي للبنان (والذي يتضمّن ديناً بالعملة الأجنبيّة بحوالي 37.9 مليار دولار كما في نهاية شهر أيلول 2021) ومشاركة كافية من الدائنين لتأمين إستدامة للدين. وقدّرت “موديز” أنّ الخسائر على حاملي سندات اليوروبوندز ستتخطّى الـ65 في المئة من قيمتها الإسميّة.

وبحسب “موديز” ونظراً الى سِجِلّ لبنان السابق الضعيف بتطبيق إصلاحات، فإنّ الإتّفاق مع الصندوق قبل الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة هو إستجابة من المؤسّسات الماليّة الدوليّة لحاجة لبنان الملحّة الى مساعدات خارجيّة لوقف التدهور الإقتصادي والإجتماعي، خاصّةً بعد أزمة القمح بعيد غزو روسيّا لأوكرانيا.

وبالتوازي، تعتقد “موديز” أنّ المساعدات الماليّة الخارجيّة سوف تحفّز لبنان على إنجاز تقدّم لناحية إعتماد مبادرات إصلاحيّة مهمّة. 

تقرير البنك الدولي

بالعودة الى تحديث البنك الدولي لآفاق لبنان الاقتصادية، فقد نوه بالمحادثات مع صدوق النقد الدولي، لكنه كشف أنّه في ظلّ المستوى العالي من حالة عدم اليقين، من المتوقّع أن ينكمش الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 6.5 في المئة في العام 2022 في حال لم تتغيّر سياسات الإستجابة للأزمة، وفي حال عدم وجود حد أدنى من الإستقرار السياسي والأمني. 

وقال البنك الدولي إن العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها تضيف إلى محنة لبنان، لا سيما بالنظر إلى صافي وارداته الحرجة من القمح (شبه حصري من روسيا وأوكرانيا) والنفط. وأشار في هذه النقطة إلى أنّ التداعيات السلبيّة لغزو روسيّا لأوكرانيا قد تدفع لبنان الى البحث سريعاً عن بلدان بديلة لاستيراد القمح، كما أنّ إرتفاع أسعار المحروقات قد يضرّ سعر صرف الليرة ويزيد من مستويات التضخّم، ومن الممكن أن يزيد من ساعات التقنين الكهربائي.

وشرح أن سعر صرف الليرة إستمرّ بالتراجع مقابل الدولار الأميركي خلال العام 2021، ما أدّى إلى إرتفاع ملحوظ في مستويات التضخّم وبالتالي إلى إستنزاف إجمالي إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة. 

وأشار إلى أنّ لبنان يعاني منذ حوالي ثلاثة أعوام من أزمة ماليّة واقتصاديّة تصنّف على الأرجح من ضمن أسوأ 10 أزمات عالميّة وربما من ضمن أسوأ 3 أزمات منذ العام 1857، بحيث إنخفض الناتج المحلّي الإجمالي من 52 مليار دولار في العام 2019 إلى ما يقارب الـ22.1 مليار دولار في العام 2021.

وبحسب البنك الدولي، فإنّ حصّة اللبنانيّيين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر قد إرتفعت بـ9.1 نقاط مئويّة في العام 2021. 

في هذا السياق، وبحسب إحصاءات أجراها برنامج الغذاء العالمي بالتعاون مع البنك الدولي، تبيّن أنّ حوالي 61 في المئة من الأسر التي شاركت في الإحصاء تواجه صعوبات في الإستحصال على المأكولات والإحتياجات الأساسيّة الأخرى (مقارنةً بـ41 في المئة في العام 2020)، كما أنّ حوالي 52 في المئة من الأسر المعنيّة قد عانت من الحصول على خدمات صحيّة (مقارنةً بـ36 في المئة في العام 2020). 

وعانى لبنان أيضاً من إنهيار الخدمات الأساسيّة بسبب إستنزاف الإحتياطات بالعملة الأجنبيّة. 

وأضاف البنك الدولي أن النقص في المحروقات قد تسبّب بحالات إنقطاع شبه تامّ للتيّار الكهربائي في أنحاء البلاد كافة، حيث أنّ التغذية الكهربائيّة من قبل مؤسّسة كهرباء لبنان وصلت الى ساعتين يوميّاً فقط. 

من منظارٍ آخر، أشار البنك الدولي إلى أنّه على الرغم من الإنكماش الإقتصادي في لبنان خلال العام 2021، فإنّ القطاع السياحي قد شهد نموّاً ملحوظاً بحيث إرتفع عدد السيّاح الوافدين بنسبة 101.2 في المئة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2021. 

من جهةٍ أخرى، ذكر التقرير بأنّ الإيرادات الحكوميّة إنكمشت من نسبة 13.1 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020 إلى نسبة 6.3 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021 (ثالث أدنى معدّل في العالم بحيث تفوٌق لبنان فقط على الصومال واليمن). كما تراجعت النفقات بـ9.2 نقطة مئويّة إلى نسبة 7.3 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021، ما نتج عنه عجز في الرصيد الأوّلي عند نسبة 1 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2021، مقارنةً بعجز بلغت نسبته 3.3 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020.

وأشار التقرير إلى أنّ سعر صرف الليرة مقابل الدولار تدهور بشكلٍ ملحوظ خلال النصف الأوّل من العام 2021، بحيث ارتفع من حوالي 1500 ليرة للدولار الواحد إلى ما فوق 30 ألف ليرة في كانون الثاني 2022. وبحسب البنك الدولي، فإنّ التراجع الكبير في سعر صرف الليرة يعود بشكلٍ أساس إلى الرفع التدريجي للدعم الذي أمّنه مصرف لبنان بالعملة الأجنبيّة لاستيراد الأمور الأساسيّة كالمحروقات، والأدوية، والقمح، وغيرها. 

وكشف التقرير أنّ متوسّط سعر الصرف التابع للبنك الدولي قد إنخفض بنسبة 211 في المئة في العام 2021 مقارنةً بتراجع بلغ 250 في المئة في العام 2020. وذكر أنّ التدخّل الكبير لمصرف لبنان في دعم المواد المستوردة بدءاً من شهر كانون الأوّل 2021 تمكّن من لجم تدهور سعر الصرف، بحيث إستقرّ هذا الأخير عند حوالي 20 ألف ليرة للدولار الواحد. 

وأوضح البنك الدولي أنّ هذه التدخّلات لن تدوم كثيراً في ظلّ تراجع مستويات الإحتياطات الإجماليّة بالعملة الأجنبيّة لمصرف لبنان.

أمّا في ما يتعلّق بنسبة التضخّم، فقد بلغ متوسّط تضخّم الأسعار 150 في المئة في العام 2021، وهو ثالث أعلى مستوى في العالم بعد فنزويلا والسودان. 

وعزا التقرير توقّعات العام 2022 إلى مخاطر سلبيّة كإستنزاف الإحتياطات الإجماليّة بالعملة الأجنبيّة، وتجدّد إنتشار وباء الكورونا، وإرتفاع أسعار السلع (وخاصّةً المحروقات) ومخاطر إيجابيّة كموافقة الحكومة على برنامج ماكروإقتصادي شامل وإعتماده. 

شارك المقال