الكابيتال كونترول يُشعِل الدولار

هدى علاء الدين

كل شيء في لبنان يعود خطوات إلى الوراء إلا الدولار الذي لا يزال يحتل صدارة الأزمات منذ أكثر من عامين ونصف العام، فترة كان من المتوقع أن تكون كافية للجم الانهيار والانطلاق من جديد، إلا أن غياب الإصلاحات والوعود الكاذبة بإجرائها، وتغليب المصلحة السياسية على حساب النهوض الاقتصادي، جعلت من نكسة الدولار بازاراً سياسياً واقتصادياً بامتياز. إذ وعلى عكس ما كان متوقعاً قبل فترة إجراء الانتخابات النيابية، عاود الدولار في لبنان هذا الأسبوع ارتفاعه ليصل إلى عتبة الـ 28000 ليرة بعد فترة هدوء نسبية حاول مصرف لبنان التحكم بها منذ بداية العام الجاري.

تحديات بالجملة بدأت تطفو من جديد على الساحة الدولارية، مقابل سقوط مدوٍ لاستحقاقات ضرورية أخذت من وقت الانهيار كثيراً وعمّقت من تداعياته. وعلى الرغم من إعلان صندوق النقد الدولي التوصّل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن السياسات الاقتصادية، من أجل تقديم تمويل بقيمة 3 مليارات دولار لمدة أربع سنوات، إلا أن هذا الاتفاق وُلد يتيماً في ظل تعثر مشروع قانون الكابيتال كونترول من جديد في المجلس النيابي وعودة شد الحبال حول خطة التعافي التي لم يُكتب لها النجاح في أخذ لبنان إلى سكة النهوض بفعل استنسابية التعاطي في كيفية توزيع الخسائر في ظل حديث عن شطب 60 مليار دولار من أموال المصارف اللبنانية في مصرف لبنان تعود حصراً للمودعين مع ما سيرافق ذلك من خسارة فادحة لهم ولا سيما أن القانون سيحمي فقط 100 ألف دولار من ودائعهم، الأمر الذي دفع بهم إلى بيع أموالهم إلى المصارف بأسعار متدنية جداً، توازياً مع رفع المتحكمين بالسوق السوداء، الدولار عمداً.

التفلّت الجديد المرتقب في سعر الدولار بسبب حالة الركود الإنقاذية التي تسيطر على لبنان، سيؤدي من جديد إلى حالة من الفوضى ستطال كافة القطاعات وبدايةً الطحين والرغيف، ولا سيما أن المصرف المركزي أثقل عاتقه بالتعميم رقم 161 وهو يُدرك تماماً أنه ليس بالحل الحاسم لأزمة العملة الخضراء بل كان مجرد تدخل اصطناعي لزوم تلك المرحلة. وعلى الرغم من أن المعلومات تشير إلى استمرار العمل بهذا التعميم وعدم رغبة المصرف المركزي في إيقاف منصة “صيرفة”، يبقى التحدي الأكبر في مدى القدرة على لجم الدولار دون سقف الـ 30000 ليرة، وهي مهمة ستقع بالدرجة الأولى على المصرف المركزي الذي سيتعرّض حكماً لضغوط مماثلة لمرحلة دولار رأس السنة في حال أرادت الطبقة السياسية تمرير مرحلة الانتخابات من دون أي انفجار دولاري جديد، من دون إغفال وجود بعض الشكوك والمخاوف من أن يكون العكس هو الصحيح.

إذاً، رحلة الدولار التصاعدية لن تهدأ ما لم تتوافر الروادع المانعة لانخفاضه والجميع بات يعرف اليوم أسباب هذا المنحى، إذ أنه من المعيب الاستمرار في هذا الفشل في كافة الملفات المالية والنقدية والمعيشية التي يُعيق حلحلتها إلى تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية التي ستنعكس على سوق العملة الخضراء. هذا ويكمن التحدي الحقيقي في مرحلة ما بعد الاستحقاق الدستوري، خصوصاً في حال نتج عنه عودة لرموز الانهيار إلى المجلس النيابي الجديد، وانتهاج السياسة عينها لناحية تقاذف المسؤوليات وعدم اتخاذ القرار السياسي الواضح والصريح بالانقاذ. فالملفات العالقة التي تؤجَّل اليوم كالكابيتال كونترول وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة النظر بالسرية المصرفية وإقرار خطة التعافي التي يعوّل اللبنانيون على دورها مجتمعة في التخلص من كابوس تقلبات سعر الصرف، قد تشهد لدى عودة هذه الهيمنة السياسية من جديد على القضايا الاقتصادية المزيد من السيناريوات الخطيرة والمفتوحة على كل الاحتمالات.

شارك المقال