تمويل “البطاقة” والمنصة مفقود والدعم مرفوع

المحرر الاقتصادي

أيام صعبة لا بل حرجة يُتوقع أن تواجه اللبنانيين قريباً. كل “طاقات الفرج” مقفلة. فمن الناحية السياسية، لا تزال الحكومة المنتظرة بعيدة التحقق وسط استمرار العراقيل التي تمنع تشكيلها والتي تطفئ الآمال بإمكان بدء حل مشكلات لبنان المركبة.

أما على الصعيد الاقتصادي، فالوضع يزداد سوءاً. شهر رمضان الفضيل بات في أيامه الأخيرة، ومصير الدعم المحتوم والمعروف سلفاً سيتبلور بعده. قيل إن رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب اتفق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامه على إبعاد هذه “الكأس المرّة” الى ما بعد رمضان المبارك، وبعد اتخاذ قرار في شأن البطاقة النقدية. في وقت نُقل عن سلامه أنه أبلغ المسؤولين أن مصرف لبنان لن يكون قادراً على الاستمرار في الدعم الى ما بعد أيار. علماً ان المستوردين لم يتبلغوا رسمياً قراراً في هذا الشأن من المصرف المركزي.

قرار ترشيد الدعم وصولاً الى رفعه نهائياً قريباً اتخذ. اللجنة الوزارية الاقتصادية لمتابعة درس مشروع البطاقة النقدية التي اجتمعت نهاية الأسبوع الماضي لم تصل إلى قرار بعد في هذا الشأن. ولكن فيما نقترب من ساعة الحسم، كيف سيتم خفض الدعم بمعزل عن توزيع بطاقة نقدية وتأمين تقديمات تعين اللبناني على الاستمرار وتوفير الحد الأدنى المطلوب للقمة عيشه؟

المشكلة اليوم تبقى في تمويل البطاقة النقدية التي تقدّر تكلفتها السنوية بمليار و235 مليون دولار (اضافة الى غياب قاعدة واضحة للبيانات). ذكرنا سابقاً أن هذه المشكلة متعددة الجوانب. فمن ناحية قرض البنك الدولي البالغة قيمته 246 مليون دولار لدعم العائلات الأكثر فقراً، نذكّر مجدداً أن هذه الاتفاقية التي جرى إقرارها في مجلس النواب حصلت عليها تعديلات من خلال تسجيل بعض النواب، لاسيما نواب “حزب الله”، ملاحظات عليها مرتبطة بــ”السيادة” أُدرجت في ملحق تابع للاتفاقية الاصلية. علماً انه لا يحق لمجلس النواب تعديل اتفاقية مع مقرض دولي. فهو إما يوافق على النص كما هو وإما يرفضه. هذه الملاحظات أُرسلت إلى مجلس أمناء البنك الدولي لإعادة النظر فيها للموافقة عليها أو رفضها أو إدخال تعديلات عليها. وفي حال لم يوافق مجلس الأمناء على الصيغة المقرة، سيكون عندها مصير الاتفاقية في مهب الريح. أما في حال تم ادخال تعديلات عليها، فعلى مجلس النواب عندها أن يجتمع مجدداً لإقرار الصيغة الجديدة. ماذا يعني كل ذلك؟ هذا يعني أن وقتاً سيمضي قبل انكشاف مستقبل القرض وما إذا كان لبنان سيستفيد من المبالغ التي رصدت له أم لا.

في ما يتعلق بالوعد القطري توفير تمويل للبطاقة النقدية كما أعلن دياب عقب زيارته الدوحة، فكان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني واضحاً في استبعاد هذا الإجراء، حين أعلن في مقابلة متلفزة منذ أيام أن الأزمة السياسية في لبنان تقف عائقاً أمام حل الأزمة الاقتصادية في لبنان مع تأكيده في المقابل استمرار قطر في دعم الشعب اللبناني بأشكاله كافة. هو قال بما حرفيته: “أن يكون هناك برنامج مستدام من أي دولة أو من قبل المجتمع الدولي من دون وجود حكومة في لبنان تقوم بمهامها بالشكل الكامل، فهذا أمر صعب جداً”.

التعويل إذاً في هذه المرحلة على أموال مصرف لبنان رغم رفض الأخير المس بالاحتياطي الإلزامي المتبقي لديه. وهو أرسل كتاباً في هذا الخصوص إلى وزير المالية غازي وزني لإبلاغ الحكومة. إلا أن دياب مصر ّعلى استخدام هذا الاحتياطي. قالها علناً الأسبوع الماضي: “لا حل لدينا إلا باستخدام الاحتياطي الإلزامي”. حين سئل أن هذا الأمر يتم من أموال المودعين المحجوزة، رفض دياب هذا المنطق قائلاً أن الدولة “تستدين” من مصرف لبنان. لكن هل سددت الدولة مستحقاتها إلى مصرف لبنان والمودعين كي تتخذ قراراً بالتصرف بما تبقى من أموال في مصرف لبنان؟ فالمصرف المركزي لا يزال يمول عجز الموازنة بهدف تأمين استمرارية عمل المؤسسات. حصته من الدين العام بالليرة هي في ارتفاع مطرد، وسجلت في شباط 61.7 في المئة من 61.4 في المئة في كانون الثاني في قابل استمرار تراجع حصة المصارف.

أما احتياطات مصرف لبنان بالعملات، فبلغت في 30 نيسان مستثناة من محفظة سندات اليوروبوندز، 16.6 مليار دولار بانخفاض قيمته 271 مليون دولار عما كانت في بدايته  (وفق الوضعية المالية نصف الشهرية لمصرف لبنان) فيما تراجع المبلغ بواقع حوالي 500 مليون دولار في شهر واحد وسط استمرار توفير مبالغ للدعم. مع الإشارة هنا الى أن قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان تراجعت على صعيد سنوي بنسبة 37.13 في المئة أو ما قيمته 16.38 مليار دولار مقارنة مع المستوى الذي كانت عليه في نهاية شهر نيسان 2020، والبالغ حينها 34.42 مليار دولار.

في المقابل، بلغت الودائع المصرفية بالعملات حتى آذار 2021 (بحسب آخر الأرقام المتوافرة) ما قيمته 109.98 مليارات دولار، بتراجع نسبته 1.73 في المئة عن مستواها في نهاية العام 2020. وينعكس هذا التراجع انخفاضاً في مبالغ الاحتياطي الإلزامي التي يجب توافرها في مصرف لبنان والتي هي بنسبة 15 في المئة من الودائع بالعملات. أي أن الاحتياطي الإلزامي الذي يُفترض أن يكون متوافراً هو 16.48 مليار دولار. هذا الرقم يعود لآخر آذار، وهو بالتأكيد أقل عند صدور الميزانية المجمعة للمصارف في نيسان والتي ستظهر مزيداً من تراجع الودائع بالعملات مع استمرار سحب المودعين لودائعهم الدولارية بالليرة على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار. وبالتالي، فإنه من الصعب جداً ألا نكون وصلنا الى المستوى غير المسموح المساس به كاحتياطي الزامي أو أن نكون تخطيناه.

وسط كل هذه الوقائع، يتوقع أن تواجه الليرة مزيدًا من الانخفاض وسط الغموض الذي يلف مصير المنصة الإلكترونية (صيرفة). فيما أرسل حاكم مصرف لبنان كتاباً في هذا الخصوص إلى وزارة المالية التي اكتفت بنشر بيان أنها “تسلمت كتاباً من سلامه حول موضوع المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة التي سينشئها المصرف المركزي بهدف تأمين ثبات القطع”. وقالت مصادر مصرف لبنان عند سؤالها ما إذا كان سيُعلن إنشاء المنصة هذا الأسبوع، أنها لا تملك أي معطيات حول الموضوع.

وتبقى المشكلة الأساسية في انطلاقة المنصة هي الجهة التي ستؤمن تمويلها. فمصرف لبنان لا يمكنه القيام بذلك كما عرضنا أعلاه، والمصارف غير مستعدة أبداً. ولا تملك الدولارات الكافية لهذه العملية. ولن تقوم بسحب ما أمنته في المصارف المراسلة لهذا الغرض. وبالتالي، قد لا نشهد ولادة قريبة للمنصة أو أن ولادتها قد تكون مشوهة بما يجعل استمرارها شبه مستحيل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً