الدولار يُحلّق: ما قبل الانتخابات ليس كما بعدها

هدى علاء الدين

أنهى لبنان مرحلة الانتخابات النيابية لتعود أزماته الاقتصادية والمالية إلى الواجهة من جديد بعد فترة قسرية من الهدوء لزوم الاستحقاق الدستوري، أبرزها أزمة الدولار التي كان قد انحسر منحاها التصاعدي في الأشهر الأخيرة بعد إقرار مصرف لبنان للتعميم رقم 161. سعر صرف الدولار الذي لم يصمد كثيراً بعد الخامس عشر من أيار، تحرّر اليوم من قيود لجمه المصطنعة ليصل إلى عتبة الـ 30 ألفاً لتصدق بذلك التوقعات والتكهنات التي أشارت إلى عودة ارتفاعه من جديد.

عوامل كثيرة دفعت العملة الخضراء إلى اتخاذ المنحى التصاعدي، أبرزها كثرة الأحاديث التي سبقت موعد إجراء الانتخابات عن ارتفاع سعر الصرف، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التهافت على شراء الدولار من أجل الاستفادة من ارتفاعه لاحقاً ليرتفع بذلك الطلب عليه. هذا فضلاً عن انتشار المخاوف من تحليق سعر الصرف عالياً وعدم القدرة على السيطرة عليه في ظل أجواء سياسية عاصفة بدأت تلوح في الأفق جراء نتائج الانتخابات التي سيتردّد صداها في أكثر من استحقاق أساسي، خصوصاً لناحية انتخاب رئيس مجلس للنواب، وما سيتبعه من تكليف رئيس لتشكيل الحكومة، ومن ثم الاستحقاق الأكبر الذي يتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية. هذه المعطيات السياسية التي ستتبلور في المرحلة المقبلة يُخشى من اصطدامها بفراغ سياسي جديد شبيه بفراغ العام الـ 2016 أو بتعطيل جديد للمجلس النيابي، مما سيعيق إحراز أي تقدم في حلحلة الملفات العالقة التي ورثها المجلس النيابي الجديد عن سلفه.

تعقيدات المرحلة المقبلة سياسياً واقتصادياً ستُدخل الليرة اللبنانية دوامة الانهيار من الباب العريض مجدداً، إذ لا أجواء إيجابية حتى الآن تنذر بتغييرات جذرية في الجو العام الذي كان سائداً قبل إجراء الانتخابات النيابية، والمجلس الذي رفض حينها إقرار العديد من القرارات لزوم إجراء الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي لأسباب شعبوية، لن يكون المجلس النيابي الجديد في وضعية أفضل منه أو قادرا على تجنبها. وفي حال تزامن هذا الواقع مع انسحاب مصرف لبنان نهائياً من السوق الدولاري وتراجع كميات العملة الخضراء التي يقوم بضخها منذ مطلع العام الجاري، فإن سعر الصرف الدولار سيكون مفتوحاً على كافة الاحتمالات بحيث ستطال انعكاساته من جديد الطحين والخبز والمحروقات والأدوية وأسعار السلع على اختلافها وغيرها الكثير.

وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديث له مع موقع “لبنان الكبير”، أن عودة الدولار إلى الارتفاع هو أمر متوقع، ولا سيما أن تثبيته ما بين الـ 20 والـ 25 ألف ليرة كان دولاراً انتخابياً ومطلباً سياسياً بحتاً، مشيراً إلى أن ما هو مطلوب اليوم هو اتخاذ إجراءات سريعة من أجل تفادي المزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة عبر استعادة جزء بسيط من الثقة، تبدأ بعملية تكليف رئيس جديد للحكومة يعمل على تشكيلها بأسرع وقت ممكن والقيام بالإصلاحات المرجوة على أن تُنفذ الشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي بالتوازي بين مجلس النواب والحكومة الجديدة كإقرار الموازنة وقانون الكابيتال كونترول عبر إدخال تعديلات غير مجحفة بحق المودعين ولا تُقيّد الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى سنّ قانون الطوارئ للمصارف من أجل إعادة هيكلة القطاع. وحسب أبو سليمان، فإن أي ارتفاع مقبل في سعر صرف الدولار في ظل ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم عالمياً سيؤدي إلى انفجار اجتماعي.

وتعليقاً على بيان مصرف لبنان، الذي نفى فيه الأخبار المتداولة على كل من وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لناحية توقف المصرف قريباً عن العمل بالتعميم 161 وتأكيده على الاستمرار في تطبيقه إلى زمن غير محدد وذلك على منصة صيرفة كالمعتاد من دون أي تعديل، رأى أبو سليمان أن المهم ليس في كم يستطيع تخفيض سعر صرف الدولار، بل الأهم من ذلك هو الاستدامة والاستمرار في هذا المسار، خصوصاً أن الفترة المنصرمة شهدت تراجعاً واضحاً لحجم تدخل مصرف لبنان بشكل تدريجي، ليصبح هناك تقنيناً في التداول على منصة صيرفة، مشيراً إلى حصول المزيد من هذا التقنين ومستبعداً استمرار المصرف بلجم الدولار بشكل مستدام وعلى المدى الطويل لأن ذلك يُشكل تحدياً رئيسياً له تزامناً مع استنزاف الاحتياطي الإلزامي وعدم توافر أي مورد من الدولار يُغذي هذا الاحتياطي ويُعيد تراكمه.

إذاّ، الدولار مقبل على مرحلة جديدة عنوانها الضبابية وعدم الوضوح، سيكون فيها الكلمة الفصل للوضع السياسي الذي سيرسم مسار العملة الخضراء هبوطاً أو صعوداً، على أن تكون الأحداث السياسية المقبلة إما مدخلاً إصلاحياً لاستعادة الثقة ومعالجة هذا التفلت في السوق السوداء والعمل جاهداً من أجل توحيد سعر الصرف، أو مستنقعاً جديداً من مستنقعات الانهيار قد يستمر أشهراً طويلة لحين بلورة صورة جديدة للبنان ورئيسه.

شارك المقال