حكومة “الإنقاذ” تودع اللبنانيين بقرارات مؤلمة

هدى علاء الدين

كُلّف الرئيس نجيب ميقاتي في تموز العام 2021، تشكيل حكومة جديدة بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري، ليشهد شهر أيلول ولادة حكومة “معاً للإنقاذ” التي أمل اللبنانيون منها خيراً لناحية حلّ أزماتهم الاقتصادية والمالية. إلا أن الشعار الذي اتخذه ميقاتي لحكومته، لم يُكتب له النجاح ولم يُحقق أهدافه المنشودة، فالانهيار لا يزال على أشدّه والقرارات الحكومية لم تتمكن من فرملته، فسقطت في فخ الشعارات وفشلت في الإنقاذ شكلاً ومضموناً.

ثمانية أشهر من العمل الحكومي، ولبنان عالق في مأزق التحديات الاقتصادية وكيفية التعامل معها في ظل صراع سياسي هدد مراراً وتكراراً البدء بالمسار الإصلاحي الداعم لعملية النهوض الاقتصادي. فقد واجهت حكومة “معاً للإنقاذ” عدّة مطبات سياسية داخلية ضغطت بشكل مباشر على سير عملها خصوصاً في الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات النيابية لناحية إقرار الموازنة وقانون “الكابيتال كونترل”، في حين استمر الانفاق الحكومي على حاله من دون أن تقدر الحكومة على إدخال أي مردود مالي بالعملة الصعبة الى خزينة الدولة. وعلى الرغم من تدخل مصرف لبنان للحد من ارتفاع سعر صرف الدولار عبر تعاميمه، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار انهيار القدرة الشرائية للبنانيين بالتزامن مع ارتفاع الضغط المعيشي جراء أزمة المحروقات والخبز والأدوية التي لم تتمكن حكومة ميقاتي من معالجتها بصورة نهائية.

حكومة الرئيس ميقاتي انتظرت الجلسة الأخيرة لتودّع اللبنانيين على استعجال بقرارات مؤلمة، كان أبرزها إقرار رفع تعرفة قطاع الاتصالات بعد تهديد الوزير جورج القرم بالاستقالة من منصبه، رافضاً أن يكون شاهد زور على انهيار القطاع، لتضعهم بذلك أمام الأمر الواقع، مانحة إياهم فرصة تقل عن الشهرين قبل البدء بدفع فواتير هواتفهم وفقاً للعملية الحسابية الجديدة والتي تقضي بقسمة الفاتورة الأساسية على 3.3 ومن ثم ضربها بدولار منصة صيرفة اعتباراً من شهر تموز المقبل. فضلاً عن إقرار خطة التعافي وما تضمنتها من خسارة المودع أمواله بعدما أقرت استرجاع ما قيمته 100 ألف دولار فقط كحد أقصى من الودائع، مع شطب 60 مليار دولار من خسائر المصرف المركزي من العملة الأجنبية وهي تلقائياً تقع في خانة أموال المودعين وبالتالي تكبدهم المزيد من الخسائر. قرار الحكومة، التي دخلت مرحلة تصريف الأعمال، رافقه في المقابل إسقاط البند السابع المتعلق بالدولار الجمركي بطلب من وزير المال من أجل المزيد من الدرس، لا سيما وأنه لا يزال يخضع للتجاذبات بسبب آثاره السلبية على القدرة الشرائية وغلاء الأسعار والتضخم.

اليوم، يطوي لبنان صفحة حكومة “معاً للإنقاذ”، كما طوى سابقاً صفحة حكومة حسان دياب، بالكثير من خيبات الأمل وهدر الوقت وعدم استغلال الفرص والفشل في إزالة الحواجز وإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية وفتحها أمام المنافسة وترشيد الإنفاق العام وإقرار موازنة لا تسهم في تعميق اللاعدالة الاجتماعية وتكريس التوزيع غير العادل للأعباء الضريبية. أيام قليلة وسيكون لبنان أمام سيناريوهين، الأول يعتمد على تكليف جديد وحكومة جديدة ستقع على عاتقها مواجهة تحديات اقتصادية متراكمة منذ أكثر من عامين بعد أن دخل لبنان مرحلة الركود الاقتصادي من الباب العريض. وفي حال أبصرت هذه الحكومة النور، سيكون عليها أولاً فرملة ارتفاع الدولار عبر سياسات نقدية ومالية تهدف إلى إيجاد حلول جذرية لتوحيد سعر الصرف، إضافة إلى إقرار موازنة شفافة وإعادة هيكلة المصارف وحماية ما تبقى من أموال المودعين. أما السيناريو الثاني فسيكون أكثر ارتباطاً بالمشهدية السياسية في المرحلة المقبلة لا سيما في حال تأزم الوضع السياسي بين مكونات المجلس النيابي الجديد، حينها ستدخل مسألة تشكيل الحكومة في شلل متعمد ليدخل معها لبنان مرحلة جديدة من التعطيل والتعثر قد يترحم فيها اللبنانيون على دمعة ميقاتي وحكومته الإنقاذية.

شارك المقال