الحكومة تُموّل قطاع الاتصالات من جيب المواطن

هدى علاء الدين

رضخ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة لتهديد وزير الاتصالات جوني القرم ووافق على تعديل التعرفة والرسوم الخاصة بكل من الاتصالات والانترنت، لتصبح بدءاً من شهر تموز المقبل عبئاً إضافياً سيقع على كاهل المواطنين الذين سيجدون أنفسهم مضطرين لدفع فواتيرهم الباهظة الثمن مقابل الاحتفاظ بخدمات هواتفهم، في حين أن الحكومة ستفوز بمصدر جديد للأموال من أجل تمويل قطاع الاتصالات من دون أي دراسة جدوى تُحدد آلية الاستمرار به، لتمعن في سياسة التهديد مقابل الحرمان.

ووفقاً للمعادلة الحسابية الجديدة، سيرتفع سعر بطاقة التشريج للخطوط المسبقة الدفع (بطاقة 22 دولاراً) من 33 ألف ليرة إلى حوالي 158 ألفاً (22/3.3*دولار صيرفة)، على أن يُخفض سعر دقيقة الاتصال من 25 سنتاً إلى 8 سنت، في حين سيصبح بدل الاشتراك الشهري للخطوط الثابتة، 5 دولارات على سعر منصة صيرفة انخفاضاً من 15 دولاراً وسعر دقيقة الاتصال 4 سنت بدلاً من 11 سنتاً. أما فواتير الخطوط الثابتة، فستخضع للمعادلة نفسها، بحيث ستتحوّل على سبيل المثال قيمة الفاتورة البالغة 60 دولاراً (90 ألف ليرة) إلى 430 ألفاً.

القرار الذي جاء متوقعاً بعد تلميحات متكررة من الوزارة منذ أشهر، ستخضع بموجبه فواتير الهواتف المسبقة الدفع والثابتة لتقلبات منصة صيرفة التي ستبقى رهن المسار التصاعدي للدولار، وعليه قد تتغير قيمة هذه الفواتير مع تغير سعر صرف الدولار عليها. أما الهواتف الأرضية وانترنت شركة “أوجيرو”، فستضرب قيمتها بمعدل 2.5 مرة على أن تبقى بالليرة اللبنانية. من جهتها، كشفت شركة Touch عن بطاقتين جديدتين ستطرحهما اعتباراً من الأول من تموز، الأولى بسعر 4،7 دولارات والثانية بسعر 7 دولارات وذلك حسب سعر منصة صيرفة. وبناءً على كل ما تقدّم، يبدو واضحاً أن فاتورة الاتصالات والانترنت لن تكون بالعبء الهين على شريحة واسعة من العائلات التي قد تجد في الاستغناء عن بعض الهواتف أو الخدمات حلاً لأزمتها الجديدة.

تغطية تكاليف تضخم القطاع

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، اعتبر أستاذ السياسات العامة والتحديث الإداري في الجامعة اللبنانية برهان الدين الخطيب، أن الحكومة اتخذت في جلستها الأخيرة الطريق الأسهل واختارت مسار الاستجابة السريعة في موافقتها على رفع تسعيرة الاتصالات، مشيراً إلى أن الحكومة حمّلت المواطن اللبناني المسؤولية الكبرى من أجل التوازي بين سعر المبيع والكلفة التي غالباً ما تتحدد وفقاً لعدة عناصر ومعايير.

وبحسب الخطيب، فإن واقع قطاع الاتصالات يشهد منذ سنوات تراجعاً نسبياً بعدما كان يُعتبر ذهب لبنان، ويعود ذلك إلى أسباب عدة تتعلق بعدم التوازن بين السعر والكلفة، ظاهرها اليوم ما يحصل في سعر صرف الدولار، لكنه بطبيعة الحال ليس السبب الوحيد بل هو واحد من مجموعة أسباب أدت إلى تراجعه.

سابقاً كان لبنان من ضمن الدول التي تتميز بتسعيرة عالية لتعرفة الاتصالات، إلا أنها تراجعت في الآونة الأخيرة بحيث أصبحت منخفضة مقارنة مع العديد من الدول، قال الخطيب. غير أن قرار الحكومة الذي تبنت فيه رفع التعرفة من دون معرفة المعايير والأسس التي اعتمدتها أو اتخذ القرار بناء عليها، أرجع لبنان إلى قائمة البلدان الأكثر غلاءً لناحية تعرفة الاتصالات في العالم. ورأى أن هذا القرار في الشكل يسعى إلى تأمين المستلزمات المطلوبة بالتوازي مع احتساب الكلفة المالية العالية لأسعار الدقائق، لكنه في المضمون يسعى إلى تغطية تكاليف تضخم القطاع لا سيما وأن شركتي الخلوي تحويان الكثير من الموظفين الذين يتقاضون رواتب عالية جداً ومنها خيالية لم يتم التطرق إليها لمعرفة كيف سيتم التعامل معها.

تحرير القطاع وإعادة هيكلته

وأوضح الخطيب أنه كان يجب اتخاذ قرار بتحرير القطاع، مشيراً إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبه الوزير السابق نقولا صحناوي حينما افتخر بإعادة قطاع الاتصالات إلى كنف الدولة. واعتبر أن ذلك القرار كان خطأ جسيماً لا سيما وأن مثل هذه القطاعات هي قطاعات استثمارية تجارية، ولا يحق للدولة إلا أن تأخذ جزءاً من عائداتها في حين يترك للقطاع الخاص حرية التصرف والإدارة. ومنذ ذلك الوقت، بدأ قطاع الاتصالات بالتراجع لناحية نوعية الخدمة التي يُقدمها، فضلاً عن ازدياد التوظيف السياسي علماً أن شركات القطاع الخاص لا يمكن لها أن توظف إلا في إطار حدود تسمح لها بهامش من تحقيق الأرباح، وهو ما يعتبر أمراً ثانوياً للدولة بحيث يتمثل الهدف الأساسي والاستراتيجي للزعماء السياسيين وخصوصاً من يسيطر على هذا القطاع في المحسوبية في التوظيف.

وشدّد الخطيب على الحاجة الملحة الى ضرورة إعادة هيكلة القطاع وإجراء دراسة شاملة من أجل تطويره وفتحه أمام المنافسة والسماح لأكثر من شركتين بالدخول إلى السوق، لخلق جوّ من المنافسة لناحية السعر وما سيرافق ذلك من رفع الجودة وتحسينها، متسائلاً: من سيضمن اليوم جودة تقديم الخدمة بعد زيادة التعرفة في ظل أغلى سعر وأسوأ خدمة؟ وانطلاقاً من هنا، لا بد من وضع سياسة مستدامة لهذا القطاع، على عكس ما يحصل اليوم من حلول آنية وترقيعية وغياب الرؤية المستقبلية له، خصوصاً وأنه في المستقبل القريب قد تكون للعوامل التقنية الأفضلية في تأمين الاتصالات عبر الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء، وهذا ما سيُفقد الدولة اللبنانية عاجلاً أم آجلاً هذه الخدمة بحيث سيعمد المواطن اللبناني حينها إلى الاشتراك في الخدمات الفضائية.

وختم الخطيب بالقول: “يجب الإسراع في تشكيل هيئة ناظمة للاتصالات تضم عدداً من الخبراء في مجالات متنوعة (إدارياً أو قانونياً أو تقنياً) وتدير هذا القطاع وتمنع العبث به وتستشرف المستقبل وتسمح بانتقال لبنان إلى مرحلة متقدمة خاصة مع التطور العلمي والتكنولوجي”.

شارك المقال