الصندوق السيادي محكوم بالفشل ولن يعيد الودائع

هدى علاء الدين

تتمسك المصارف اللبنانية بطرحها إنشاء صندوق سيادي من أجل استثمار مرافق الدولة على اختلافها، وهو أمر بات يطرح تساؤلات كثيرة حول الهدف من تحويل أصول الدولة وممتلكاتها إلى صندوق سيادي. وكان لافتاً في هذا الإطار ما أشارت إليه رابطة المودعين التي حمّلت المصارف مسؤولية نسف خطة التعافي الاقتصادي واستمرار العمل بخطة رياض سلامه المالية التي تُحمّل كل أعباء الأزمة للمجتمع عموماً ولصغار ومتوسطي المودعين خصوصاً، بحيث تبتغي تحويل أصول الدولة وممتلكاتها إلى صندوق سيادي، لتقليص خسائر المصارف نفسها ومن ثم تسدد من خلاله أموال المودعين، فترفع المسؤولية عن نفسها وتعوّم أعضاءها من جديد.

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، يشير خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي إلى أن “اللجوء إلى إنشاء صندوق سيادي يمكن الدولة من الحفاظ على ثروتها وسيادتها ويعمل به غالباً من أجل تحقيق هدف رئيس يتمثل في الاحتفاظ بفائض الإيرادات الذي تحققه الدولة والاستثمار به في السنوات التي تُسجل فيها عجزاً في موازنتها العامة”، معتبراً أن “التجربة الأنجح لهذه الصناديق كانت في الدول الخليجية لا سيما بعد الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط. أما في لبنان، فإن اقتراح إنشاء هذا الصندوق لاستثمار موجودات الدولة وأصولها من شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان وشركة كهرباء لبنان وجميع العقارات التي تملكها واحتياطي الذهب، يعود إلى سوء استثمار لبنان لها جراء تفشي الفساد وغياب الحوكمة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، معظم الأشخاص القادرين على دفع الضرائب يتمتعون بامتيازات ضريبية تُعفيهم منها وتحرم خزينة الدولة من إيرادات محقة تقدر بالملايين”.

ويلفت فحيلي إلى أن “لبنان لديه العديد من الممتلكات كالمشاريع المقامة على الشواطئ اللبنانية ونادي الغولف وشركات الخلوي وغيرها الكثير التي يستطيع استثمارها بطريقة فاعلة تمكنه من الحصول على موارد مالية كثيرة، لكنها ذهبت هدراً وفساداً ومحاصصات لمكونات الطبقة السياسية الحاكمة. وبالتالي، فإن فكرة الصندوق السيادي محكومة بالفشل للأسباب أعلاه، كما أن الفئة المستفيدة منه ستكون محدودة وستدور في فلك السلطة الحاكمة التي هدرت أموال الدولة وورطت لبنان في أزماته الاقتصادية والمالية”.

ويرى أن “الحل البديل عن الصندوق السيادي يكمن في تهذيب استثمارات الدولة وسحب الامتيازات الضريبية وتحصيل ايجارات الاستملاكات البحرية والتخلص من المكاسب الخاصة وتحسين إدارة شركات الخلوي، لأنها جميعها تعمل على تكوين إيرادات إضافية للدولة، ستكون بلا شك أفضل من إنشاء صندوق سيادي سيعمد إلى فرض توظيفات إضافية في القطاع العام بغنى عنها”، موضحاً أن “تهذيب هذا الأداء في مرافق الدولة هو الأنسب ويتطلب تحقيقه تشريعات من المجلس النيابي وخطة قابلة للتنفيذ من مجلس الوزراء، بحيث ستكون وزارة المالية الأكثر انخراطاً فيه”.

ولا يشجع فحيلي الحل الذي طرحته جمعية مصارف لبنان والمتمثل في إنشاء صندوق سيادي، ولا يراه الحل الأفضل لإعادة أموال المودعين، مؤكداً أن “خطة سداد هذه الأموال لا تتناغم مع أي خطة تعاف اقتصادي”. ويستغرب استخدام جمعية المصارف لمصطلح “إعادة الودائع” خصوصاً وأنه يعد مصطلحاً خاطئاً اقتصادياً. “فأموال المودعين هي مدخرات المواطن اللبناني، ووجودها في القطاع المصرفي هو لهدف اقتصادي ضروري لا سيما وأن هذه الأموال هي التي أتاحت منح قروض الإسكان والقروض التجارية للمؤسسات والشركات والقطاع الخاص، وأسهمت في تمويل عجز الدولة اللبنانية التي أساءت التصرف بها”.

أما عن فكرة دفع أموال المودعين، فيصفها فحيلي بـ “الفكرة المعاقة اقتصادياً”، مشدداً على أن “ما يجب فعله اليوم هو ترميم الثقة من أجل استعادتها بين المؤسسات المصرفية والمودع اللبناني وهذا يتطلب النظر في القطاع المصرفي اللبناني ودعم المؤسسات القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد وتصفية غير القادرة على ذلك، وهذا هو الحل الوحيد للوضع الراهن خصوصاً أن ما يهم المواطن في الوقت الحالي هو الاطمئنان الى وديعته والوصول إليها متى يريد، فالمودع لا يريد الاحتفاظ بأمواله في خزنة منزله لأن ذلك لا يخدم الاقتصاد مطلقاً”.

وعن طرح جمعية المصارف هذا الحل الذي يبدو أن تحقيقه لن يكون سهلاً في ظل غياب المراقبة والمحاسبة ولن يكون بمنأى عن ظاهرة الفساد المستشري التي سترافق تنفيذه، يعتبر فحيلي أن “هذا الحل هو الوحيد الذي يخفف من عبء شطب رأس المال على المصارف التجارية، وما تُعلنه جمعية المصارف غالباً ما يكون بناءً على تعليمات من رؤساء مجالس إدارة المصارف الأعضاء فيها التي ترفض رفضاً قاطعاً شطب رأس المال”، مستبعداً وجود أي سبب آخر وراء هذا الإصرار على إنشاء الصندوق السيادي.

شارك المقال