دخّان المجلس يُشعل الدولار

هدى علاء الدين

تصاعد الدخان الأبيض من المجلس النيابي معلناً انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً له للمرة السابعة على التوالي، على نار دولارية هادئة نسبياً، ليمر هذا الاستحقاق السياسي من دون أي تشنّجات على الساحة المالية تُعكّر صفو جلسة الانتخاب بعد أسبوع عاصف للعملة الخضراء أُجبر فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامه على التدخل من أجل لجم المنحى التصاعدي للدولار من عتبة الـ 38000 ألف ليرة إلى ما دون الـ 28000 ألفاً أي بمعدّل 10000 آلاف ليرة في أقل من 24 ساعة.

مصرف لبنان توجه في بيانه قبل أيام من الجلسة المنتظرة إلى حاملي الليرة اللبنانية من مواطنين ومؤسسات الذين يريدون تحويلها إلى الدولار الأميركي، بناءً على التعميم 161 ومفاعيله وعلى البندين رقم 75 و83 من قانون النقد والتسليف، طالباً منهم التقدم بهذه الطلبات إلى المصارف اللبنانية بدءا من الاثنين 30 حزيران 2022 وذلك على سعر “صيرفة” بحيث ستتم تلبية هذه الطلبات كاملةً في غضون 24 ساعة، على أن يكون هذا العرض مفتوحاً ومتاحاً يومياً، مما يعني ضخّ كميات من الدولار لا سقف لها إلى المصارف التجارية. وعليه، شهدت منصة “صيرفة” تهافتاً كثيفاً ليبلغ حجم التداول عليها وللمرة الأولى 169،000،000 دولار في اليوم الأول أي بمعدل 24،500 ليرة للدولار الواحد و105،000،000 دولار في اليوم الثاني بالمعدل عينه (24،500).

محاولات مصرف لبنان المستمرة من أجل امتصاص الكتلة النقدية باتت روتينية، وهو الذي أصبح اللاعب الأمهر في الإمساك بزمام الأمور عند كل حدث سياسي أو مالي مفصلي، فيعمد إلى ضخ الدولار في السوق لفترة وجيزة من أجل تهدئة سعر الصرف وتمرير الاستحقاقات بأقل الأضرار الممكنة قبل أن يعود التفلّت إلى السوق السوداء مجدداً. وفي قراءة سريعة لحجم التداول غير المسبوق على منصة “صيرفة”، تظهر الأرقام المتداولة الحاجة الكبرى الى الحصول على الدولار ليس لزوم الاستيراد والتصدير وحسب، بل بسبب ازدياد المخاوف من ارتفاع سعر الصرف مجدداً بالشكل الدراماتيكي الذي حصل مؤخراً من دون أي مبرر اقتصادي، إذ وجد حاملو الليرة في بيان مصرف لبنان فرصة لشراء الدولار بسعر منخفض للاحتفاظ به من أجل بيعه في السوق السوداء لدى ارتفاعه لاحقاً، وهو أمر بات يُعوّل عليه الكثير من اللبنانيين للإفادة من فارق السعرين.

انفلات الدولار الذي من المتوقع له أن يضرب من جديد، وهو ما بدأت ملامحه تلوح في الأفق فور انتهاء جلسة انتخاب بري رئيساً، تجاوز في أسبوعه الكارثي كل الخطوط الحمر، فسيطرت حالة من الهستيريا على الأسواق المالية كافة، وشهدت الأسعار ارتفاعات جهنمية طالت كل السلع الغذائية والاستهلاكية، في حين ألهبت أسعار المحروقات جيوب اللبنانيين قبل أن تعاود الانخفاض مع تراجع سعر الصرف.

ومع إصدار مرسوم تشكيل “المجلس الوطني لسياسة الأسعار”، يترقّب اللبنانيون نتائج هذا المجلس على أرض الواقع من أجل وضع حد لتفلت الأسعار من دون حسيب أو رقيب، إلا أن ما حصل يوم أمس من ارتفاع مفاجئ للدولار فور انتهاء الجلسة في ساحة النجمة خلق حالة من الشك وعدم اليقين حول الغاية من وراء تدخل مصرف لبنان وخلق سعر اصطناعي للعملة الخضراء بعيداً من العرض والطلب ولا تعكس حقيقتها مطلقاً، إذ بات واضحاً أن المصرف يتدخل لحماية الاستحقاقات السياسية والإيحاء بالسيطرة على سوق أصبح التحكم به منفرداً هدفاً بعيد المنال.

اليوم، سيسحب المواطنون رواتبهم وفقاً لسعر منصة “صيرفة” 24،500 ليرة وسيلجأون بعدها إلى السوق الموازية لصرف دولاراتهم على سعر صرف تخطى حاجز الـ 30000 ليرة، مستفيدين من الفارق بين السعرين لتعويض جزء من خسارتهم. وفي حال ترك “المركزي” الدولار لمصيره الأسود بين أيدي الصرافين وأصحاب التطبيقات بعد انتهاء اليوم الثالث لقراره، فلن تكون الهدنة التي منحها لليرة اللبنانية قادرة على الصمود أكثر وسط انهيارات بالجملة لكل البنية المالية والنقدية ليعود التفلت مقروناً بحالة من الفوضى إلى الواجهة إلى حين استحقاق سياسي آخر قد يتطلب دقّ أبواب “المركزي” من جديد استغاثةً.

شارك المقال