إرحموا الاحتياطي!

المحرر الاقتصادي

كان لافتاً ما قاله نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعادة الشامي بأن “تدخُل مصرف لبنان في السوق هو وراء ارتفاع الدولار وانخفاضه بشكل أساس”، وتأكيده أن المصرف المركزي “يتدخل بصورة مؤكدة من الاحتياطي الإلزامي” المتبقي لديه، وتقديره بأن مصرف لبنان “يخسر يومياً 25 مليون دولار” من هذا الاحتياطي الذي هو في الأصل أموال المودعين.

فما أعلنه الشامي في حديثه لقناة “أل بي سي” يؤكد أن مسار تدخل مصرف لبنان للجم ارتفاع الدولار مقابل الليرة لن يستمر طويلاً، لا سيما وأن موجوداته الصافية بالعملات الأجنبية في تناقص كبير وتخطت الخطوط الحمر التي وُضعت سابقاً.

في الأرقام الصادرة أمس عن الوضعية نصف الشهرية لمصرف لبنان، يظهر الآتي:

  • تراجع موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بواقع 43 مليون دولار في 15 يوماً، وهو رقم ليس مرتفعاً مقارنة بما حصل في الأشهر الأخيرة، وذلك بسبب عدم تدخل مصرف لبنان بوتيرة مرتفعة في سوق القطع في الأيام الأخيرة. وباتت هذه الموجودات تبلغ كما في نهاية أيار، 11.05 مليار دولار بعد حسم محفظة المصرف المركزي من العملات الأجنبية (5.03 مليارات دولار)، مقارنة بـ12.8 مليار دولار في نهاية العام 2021. وهذا يعني تراجع هذه الموجودات بحوالي مليار و800 مليون.

  • لكن في المقابل، فان بند الموجودات الأخرى الذي يتضمن خسائر غير معلنة لا تعرف طبيعتها، ارتفع في 15 يوماً بـ2.5 ملياري دولار الى 69.27 مليار دولار. والخطير هو ارتفاع هذا البند بواقع 7.7 مليارات دولار (وفق سعر الصرف الرسمي) منذ نهاية كانون الأول 2021.

  • بعدما كان شهد تراجعات، استعاد النقد المتداول خارج مصرف لبنان ارتفاعه بواقع 2747 مليار ليرة ليبلغ 43.3 ألف مليار ليرة (28.8 مليار دولار) بحلول نهاية أيار 2022 مقارنة بمنتصفه. علماً أن النقد المتداول خارج مصرف لبنان سجل تراجعاً عما كان بلغه في نهاية كانون الأول حين وصل الى 45 .7 آلاف مليار ليرة.

في نهاية الأسبوع الماضي، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامه بيانين كان وقعهما كبيراً على سعر صرف الدولار مقابل الليرة بعدما بلغ مستويات الـ38 ألفاً. وهو ما أدى إلى تراجع كبير وسريع للدولار عن مستوى الـ30 ألفاً وبواقع حوالي 9 آلاف ليرة. في البيان الأول، أعلن سلامه أنه “بناء على التعميم 161 ومفاعيله وعلى البنود الرقم 75 و83 من قانون النقد والتسليف، يمكن لجميع حاملي الليرة من مواطنين ومؤسسات ويريدون تحويلها الى الدولار، التقدم بهذه الطلبات الى المصارف اللبنانية إبتداءً من الاثنين المقبل وذلك على سعر صيرفة”. وفي البيان الثاني طلب من المصارف أن تبقي على فروعها وصناديقها مفتوحة يومياً حتى الساعة السادسة مساءً ابتداءً من الاثنين ولثلاثة أيام متتالية.

على الرغم من الانخفاض الكبير والسريع، إلأ أن الدولار عاود ارتفاعه بعدما تسرّبت معلومات عن أنه سيصار الى وقف العمل بقرار المصرف المركزي.

ما يبدو جلياً أن المصرف المركزي يحصل على الدولارات للتدخل في السوق من مصدرين: الأول موجوداته بالعملات، والثاني من تحويلات المغتربين اللبنانيين الى ذويهم وأقاربهم عبر شركات تحويل الأموال. وهذا يرسم مسار سعر صرف الليرة في المستقبل في حال لم يتم التوافق على خطة ماليّة وإقتصادية كاملة واضحة وصريحة وإقرار الإصلاحات الضرورية بأسرع وقت ممكن. وهي رسالة الى النواب الجدد في أن يكون مستقبل النظام الاقتصادي في لبنان في أولى أولوياتهم ووضع المناكفات جانباً والعمل على المحافظة على أموال المودعين من دون إعدام القطاع المصرفي.

وهنا نشير الى ما أعلنه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه منذ يومين، والذي حمّل فيه السلطة السياسية مسؤولية ما آل إليه الوضع في لبنان بعد تقريره الشهير الذي حمل عنوان “الكساد المتعمد”. وقال: “لبنان أضاع وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنِّي مسار لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي على الرغم من التحذيرات المبكرة، وإن تكاليف التقاعس والتلكؤ هائلة، ليس على الحياة اليومية للمواطنين فحسب، وإنما أيضاً على مستقبل الشعب اللبناني”.

أضاف: “بعد مرور عامين ونصف العام على الأزمة، لم يشرع لبنان حتى هذا التاريخ في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي يحول دون إنزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق. وينطوي استمرار التأخير المتعمد في معالجة أسباب الأزمة على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة وتعريض السلم الاجتماعي الهش لمزيد من الضغوط”. واعتبر أنَّ المعوقات الرئيسة للتنمية في لبنان “لا تزال قائمة، وهي إستيلاء النخبة على السلطة تحت ستار الطائفية، والتعرض للصراع والعنف”.

وفي نظرة الى ما يحصل عالمياً وبلوغ التضخم العالمي مستويات قياسية مع ارتفاع أسعار النفط والسلع، من الطبيعي أن يكون هناك طلب محلي أكبر على الدولار في ظل ارتفاع فاتورة الاستيراد، واستتباعاً انخفاض قدرة منصة “صيرفة” على تلبية كل الطلبات، وهو ما يفرض على المستوردين اللجوء الى السوق الموازية.

وكان العام 2021 شهد ارتفاعاً صافياً في الواردات مقابل ارتفاع طفيف في الصادرات، وهو ما أدى الى توسيع عجز الميزان التجاري مقارنة مع العام الذي سبقه. فقد ارتفعت الواردات بنسبة 20.6 في المئة في كامل العام 2021 من 11.3 مليار دولار الى 13.6 مليار دولار. اما الصادرات، فارتفعت بنسبة 9.7 في المئة من 3.5 مليارات دولار الى 3.9 مليارات دولار. وهذا ما أدى الى ارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 25.6 في المئة من 7.8 مليارات دولار الى 9.8 مليارات دولار، وهو رقم مرشح لتسجيل المزيد من الارتفاعات وفق المعطيات العالمية السائدة اليوم. فمن أين ستأتي الدولة اليوم بالدولارات لتغطية هذا العجز التاريخي وسط غياب الاستثمارات وعدم قدرتها على ولوج الأسواق المالية العالمية بعد إعلان تخلفها عن سداد استحقاقات سندات اليوروبوندز؟ وهل هذا سيكون مقدمة للجم عمليات الاستيراد؟ لم يعد هناك من أمر مستحيل.

شارك المقال