الدولرة وارتفاع الأسعار ينسفان بدل غلاء المعيشة

هدى علاء الدين

يعيش اللبنانيون في خضم موجة غلاء غير مسبوقة يغذيها ارتفاع معدلات التضخم وعدم اليقين بشأن العملة الخضراء التي زاد تقلبها وارتفاعها مقابل الليرة اللبنانية من أعباء المعيشة وجعل من وطأة الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها الأصعب والأكثر إيلاماً لا سيما وأنها تتزامن مع سوء إدارة للأزمات لم يشهدها لبنان منذ عقود.

قرارات بالجملة تتخذ تباعاً في الفترة الأخيرة، لكل منها تداعياتها في مجالاتها وقطاعاتها، إلا أنها في نهاية المطاف تصب مجتمعة في خانة انعدام الأمن المالي والمعيشي والاجتماعي. ففي 19 أيار الفائت، أقرت حكومة نجيب ميقاتي زيادة غلاء معيشية قدرها 1,325,000 ليرة (أي بمعدّل 47 دولاراً على سعر صرف السوق السوداء الذي بلغ يوم أمس 28,000 ليرة) لأصحاب الأجور في القطاعين العام والخاص التي لا تتجاوز شهرياً الـ 4,000,000 ليرة (143 دولاراً) حصراً، لتصبح بناء على هذه الزيادة قيمة الراتب الإجمالية حوالي 190 دولاراً شهرياً. وزير العمل مصطفى بيرم الذي اعتبر أن الغاية من هذه الزيادة هي دعم صمود العاملين في القطاع الخاص من دون أن يصار في الوقت نفسه إلى زيادة الأعباء الكبيرة على المؤسسات الاقتصادية التي تعاني في ظلّ هذه الأزمة المالية الخانقة، أوضح أن هذه الزيادة ليست الحد الأدنى الجديد للأجور الذي يؤمن الحد الأدنى من معيشة العامل، وإنما هي بمثابة زيادة موقتة مضافة إلى هذا الحد الشهري يُعمل بها إلى حين تعيين الحد الأدنى الجديد للأجور وفق معطيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

دولارياً، كل شيء في لبنان أصبح خاضعاً لحكم العملة الأجنبية، من أسعار المحروقات والسلع العذائية وفاتورة المولدات وأسعار الأدوية وتكلفة المسكن والدراسة وتعرفة الاتصالات والانترنت والملبس وحتى فاتورة المطاعم مؤخراً بعدما سمحت وزارة السياحة وبصورة استثنائية واختيارية للمؤسسات السياحية على اختلافها بإعلان لوائح أسعارها بالدولار، لتصبح بذلك الدولرة عنوان المرحلة المقبلة. ومع كل ارتفاع في سعر الصرف، يتلمس المواطن هول هذا الارتفاع على الأسعار كافة التي تُبقي على منحاها التصاعدي مهما عاود الدولار انخفاضه، ليشكل هذا السيناريو الخطر الأكبر على تدهور قيمة الأجور مهما بلغت قيمتها. وفي هذا الإطار، سجّل مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر نيسان 2022، ارتفاعاً وقدره 7,10 في المئة مقارنة مع شهر آذار 2022. في حين سجّل ارتفاعاً وقدره 206,24 في المئة مقارنة مع نيسان العام 2021. أما معدل تضخم أسعار الاستهلاك فقد بلغ خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة 18,54 في المئة، وذلك بحسب إدارة الاحصاء المركزي.

على الرغم من هذه الزيادة على الأجور، إلا أنها لا تغطي احتياجات المواطن التي باتت معظمها مدولرة. وفي الوقت الذي تغيب فيه الحلول الاقتصادية تبقى سياسة رفع الأسعار الأكثر سهولة وتنفيذاً بحيث وفّرت غطاء للتجار من أجل تحقيق مكاسب غير شرعية على حساب جيوب اللبنانيين. فهل تكفي الـ 190 دولاراً المواطن اللبناني شهرياً مع ازدياد موجة الغلاء وتآكل القدرة الشرائية، بعد أن دخلت الأسر اللبنانية في دوامة من اللااستقرار وأصبحت رهينة التضحم المستمر وارتفاع الأسعار الذي طال كل السلع والخدمات من دون اتخاذ أي إجراءات تحمي المستهلك وتُنقذ قدرته الشرائية وتمنع تآكل الطبقة الوسطى في ظل موجة فقر تجتاح البلاد من الشمال إلى الجنوب؟ طالما أن الحكومة تعطي الأموال بيمينها للمواطن اللبناني وتأخذ بشمالها أضعاف قيمتها، الجواب: حتماً لا.

شارك المقال