لبنان “بؤرة جوع ساخنة” والمسؤولون منشغلون بـ”الكراسي”

المحرر الاقتصادي

في السابع من الشهر الجاري، أطلق برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) تحذيراً مشتركاً من تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد في 20 “بؤرة جوع ساخنة” بين شهري حزيران وأيلول، من بينها اليمن وسوريا ولبنان والسودان.

ثلاثة أسابيع انقضت على هذا التحذير تفاقمت خلالها أزمة الطحين والقمح في لبنان، وعاد مشهد الطوابير والذل الى الأفران، فيما المسؤولون منشغلون بتحصيل وتحصين كرسي من هنا وكرسي من هناك.

في الرابع من آذار الماضي، قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة خاصة بملف الأمن الغذائي المهدد بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، اذ يستورد لبنان من هاتين الدوليتن أكثر من نصف حاجاته من القمح، و40 في المئة تقريباً من الزيوت النباتية.

اجتماعات عدة عقدتها اللجنة لم تؤد الى التخفيف من وقع الأزمة على معيشة اللبنانيين، والتي تفاقمت مؤخراً نتيجة توقف إخراج المستوعبات الملأى بالمواد الغذائية والأولية المستوردة والمكدسة في باحات مرفأ بيروت بسبب عدم إنجاز معاملاتها في الوزرات المعنية بفعل الإضراب المفتوح لموظفي الإدارة العامة.

رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي التقى أمس الممثلة الجديدة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) نورا اورابح حداد التي تحدثت عن أن الظروف الحالية “تتطلب وضع خطة طارئة لصالح البلد”.

وبعد الظهر، ترأس اجتماعاً للجنة الوزارية المكلفة ملف الأمن الغذائي التي يرأسها وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام. هذا الأخير أكد منذ أيام الاستمرار في دعم استيراد القمح، مع إشارته بشكل لافت إلى أن “قرار رفع الدعم يصبح بشكل ترشيدي”، وكأنه يرسم مستقبل دعم القمح في ظل تقلص قدرة مصرف لبنان على الاستمرار في الدعم. كما أكد ملاحقة “الزعران” في اشارة منه الى محتكري السوق.

وكان سلام أعلن في أيار الماضي أنه تسلّم موافقة البنك الدولي على إقراض لبنان 150 مليون دولار لتمويل استيراد حاجته من القمح، بعدما بات مصرف لبنان عاجزاً عن فتح الاعتمادات اللازمة لذلك.

مع الاشارة الى أن لبنان يستورد نحو 50 ألف طن من القمح شهرياً لتغطية حاجة السوق من الخبز ومشتقاته، والبالغة نحو 600 ألف طن سنوياً. لكن هناك حديث عن أن حجم استيراد لبنان زاد عما كان عليه قبل الأزمة، وأن هناك تهريباً لهذه المادة الى سوريا.

ترى وكالة “ستاندرد آند بورز” أن لبنان معرض لصدمات أسعار الغذاء العالمية. ففي تقرير نشر منذ أيام، تقول الوكالة إن لبنان واحدة من أكثر الدول المعرضة بين 21 اقتصاداً ناشئاً لصدمات أسعار الغذاء العالمية.

وذكرت أن لبنان، بالاضافة الى مصر والأردن والمغرب في العالم العربي، يعتمد بشكل أساس على أوكرانيا كجزء من حاجته من الغذاء. وبالتالي، فان هذه الدول سريعة التأثر بالاضطرابات التي تسببها الحرب على مرافئ أوكرانيا ونشاطاتها.

ويشير التقرير الى أن فاتورة استيراد لبنان من الشعير والذرة وبذور اللفت وبذور زهرة عباد الشمس والزيت النباتي والقمح توازي ما نسبته 1.83 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبنان، وهي الرابع الأعلى بين الاقتصادات الـ21 التي تتأثر بالحرب الأوكرانية، وذلك بعد طاجيكستان (3.4 في المئة) والموزمبيق (2.1 في المئة) والمغرب (2 في المئة). كما يأتي الأعلى بين الدول العربية الأربع المشار إليها أعلاه.

في تحليل سابق نشرته في أواخر أيار، قالت “ستاندرد آند بورز” إن خمس دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس، ستكون من بين الأكثر تضرراً من التداعيات الاقتصادية للصراع لأن صافي وارداتها من الغذاء والطاقة يمثل ما بين 4 في المئة و17 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وأن لبنان والأردن هما الأكثر تعرضاً للخطر، بحيث ينفقان أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على واردات الطاقة والغذاء.

“لبنان معرض للخطر خصوصاً لأنه، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، كان حوالي نصف السكان معرضين لنقص الغذاء ويحتاجون إلى المساعدة في عام 2021″، تقول “ستاندرد”.

وتنبه الوكالة في تقريرها الأخير على أن “الصدمة الغذائية العالمية ستستمر سنوات وليس أشهراً”، معربة عن اعتقادها أن “صدمة الإمدادات الغذائية ستكون لها آثار سلبية على بلدان الأسواق الناشئة، مما يؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي، والأداء المالي، والاستقرار الاجتماعي”.

بالامس أيضاً، تعهد زعماء مجموعة السبع تقديم 4.5 مليارات دولار لمكافحة الجوع في العالم واتفقوا على تكثيف جهودهم لمساعدة المزارعين الأوكرانيين على مواصلة العمل ومعالجة نقص الأسمدة.

فهل ستطال هذه المساعدات لبنان المتوقع أن يتفاقم الجوع فيه وفق برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة؟ التوقعات الاجتماعية سيئة هنا لاسيما وأن أسعار القمح والمواد الغذائية الأخرى ستظل مرتفعة في لبنان حتى تعود المزارع في أوكرانيا الى عملها الاعتيادي.

شارك المقال