لا شيء سيوقف الغضب

هدى علاء الدين

تثير حالة الفوضى والشعور بعدم الأمان والاستقرار بأنواعه كافة سواء المالي أو الاجتماعي أو المعيشي موجات من الغضب يصعب لجمها أو السيطرة عليها، لتتحكم في حال تفاقمها بكل الأفعال اليومية. وفي حين يُعرف الغضب بأنه أحد أبرز الانفعالات التي تصيب الإنسان بحيث يتميز بجوانب عاطفية إنفعالية وفكرية وذهنية وفيزيولوجية، عادة ما يتم ربطه بالإحباط نتيجة التوتر من عدم القدرة على إشباع الحاجات وتحقيق الأهداف. كما أنه يرتبط بصورة مباشرة بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان وبالعوامل التي تؤثر بها لا سيما تلك الاقتصادية التي تلعب دوراً مهماً في الحصول على كل ما يحتاجه الفرد لتحقيق ذاته وأهدافه على تنوعها.

مراحل الغضب في لبنان تتعدد وتتنوع باختلاف تنوع الأزمات وتداخلها، فكل شيء فيه أصبح مصدراً للقلق والإزعاج، وكل ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية والمالية بات فصلاً من فصول الغضب المتنقل الذي باتت له حصة كبيرة في نفوس اللبنانيين، متحولاً بذلك إلى جزء لا يتجزأ من تفاصيل حياتهم اليومية، يرافقهم أينما ذهبوا أو حلوا. فلا شيء في لبنان سيوقف الغضب في المصارف ومحال الصيرفة، الغضب في السوبرماركت والمحال التجارية، الغضب من انقطاع الماء والكهرباء والوقوف في طوابير الذل والغلاء، والغضب من حالة العجز التي جعلت اللبنانيين بصورة مفاجئة وخلال مدة زمنية قصيرة غير قادرين على سداد التزاماتهم المالية أو الحصول على احتياجاتهم الأساسية بحدها الأدنى، والغضب الآخر الآتي غداً سيكون من جراء ارتفاع فواتير الهاتف والانترنت بعدما نشرت شركتي “ألفا” و”تاتش” الأسعار الجديدة للاتصالات.

حالة الغضب هذه والتي باتت مستشرية في المجتمع اللبناني، أكّد عليها تقرير “غالوب” الذي تناول فيه العواطف العالمية لعام 2021 في أكثر من 100 دولة حول العالم، وذلك عن النصف الثاني من العام 2021 وبداية العام 2022. نتائج التقرير أظهرت احتلال لبنان المرتبة الأولى في قائمة أكثر الشعوب غضباً متقدماً على كل من تركيا وأرمينيا والعراق وأفغانستان. وبحسب “غالوب” فإن 49 بالمئة من اللبنانيين قد عانوا من الغضب في اليوم السابق للاستطلاع، وهي أعلى معدل مقارنة بأي دولة في العالم. وتعقيباً على ما ورد في التقرير، اعتبرت مراجع مختصة في علم النفس لموقع “لبنان الكبير”، أن المجتمع اللبناني أصبح بظروفه الاقتصادية الصعبة أرضاً خصبة ومناسبة لتفجير الشعور بالغضب، مؤكدة أنه كلما طال أمد هذه الأزمة وهذا الانهيار كلما زادت سلوكيات الغضب، الأمر الذي سينتج عنه اضطراب في الصحة النفسية والعقلية والجسدية وزعزعة في البنية الاجتماعية لتكون بذلك الأزمة الاقتصادية في لبنان قد خلقت أزمة اجتماعية ومجتمعية حادةً، وليكون الغضب بحد ذاته حالة من التمويه للتعبير عن الألم الناتج عن الإحباط الكلي.

وعلى الرغم من الغضب العالي الوتيرة والنفوس المحقونة بالحرقة على واقع شعب ووطن، لا يزال الوضع الاقتصادي عرضة لنكسات قادمة بفعل مؤشرات يتم التداول بها لمرحلة أشد صعوبة خصوصاً في الأشهر الثلاثة المقبلة التي قد تشهد اضطرابات سياسية ستأخذ المنحى الاقتصادي إلى مزيد من التعقيدات، وسيجد حينها المواطن اللبناني نفسه من جديد في دوامة من الغضب. وبحسب مصادر “لبنان الكبير”، فإن توقعات المرحلة المقبلة في حال لم تشهد الساحة السياسية أية انفراجات قبيل موعد انتخاب رئيس الجمهورية، سترسم صورة قاتمة للاقتصاد اللبناني الذي يعاني من تضخم وركود غير مسبوق واضمحلال في الخدمات العامة وتراجع هائل في الاحتياطي الإلزامي في دلالة على عدم وجود نهاية قريبة تلوح في الأفق تخفف من مبررات الوقوع في فخ الغضب الشديد.

شارك المقال