صندوق التعافي والمودعون… ماذا لو لم يتحقق النمو؟

المحرر الاقتصادي

تشير المداولات التي جرت في لجنة المال والموازنة النيابية الى أن الصيغة الأخيرة لخطة التعافي المالي والاقتصادي التي أقرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في جلستها الأخيرة قبل أن تتحول الى حكومة تصريف أعمال، قد نسفت أو في حدها الأدنى ستكون على مشرحة التعديلات الواسعة.

ذلك أن الخطة المقرة لم تلق قبولاً لدى الأطراف المعنية ومعظم الكتل النيابية لاسيما وأن المودع هو الفريسة الأولى لعمليات الشطب.

تحاول الحكومة في صيغة جديدة معدلة أن تدخل الدولة الى سلة توزيع الخسائر في وقت تم توزيعها في الصيغة الجديدة بين المصارف والمودعين.

بين الأفكار التي عرضت خلال الاجتماع انشاء صندوق للتعافي يستهدف معالجة الودائع المصرفية، وهو أمر لم يكن وارداً سابقاً. في وقت كانت المصارف دعت الى انشاء صندوق سيادي توضع فيه أملاك الدولة لاستثمارها تقوم شركة مستقلة بإدارته، بما يسمح بتخصيص عائدات استثمار هذه الموجودات للتعامل مع كتلة الخسائر المصرفيّة وسداد الودائع، مقابل تحييد رساميل أصحاب المصارف عن الخسائر.

ومن بين اقتراحات تمويل صندوق التعافي هذا، عبر شهادات الإيداع ورساميل المصارف، 50 في المئة من فائض الموازنة الأولي في حال حقق الناتج المحلي نمواً بنسبة تفوق 2 في المئة.

هذا يعني أن تعديل الخطة لن يشير الى شطب رساميل المصارف التي تحملها الصيغة الحالية المسؤولية الأولى وتنص على شطب نحو 72 مليار دولار ديوناً موظفة في مصرف لبنان.

كما أن التعديل يشير الى نمو لن يتحقق في الوقت القريب أبداً بعد انكماش حاد وصل الى حدود الـ25 في العام 2020 ولا يزال على هذا المنحى السلبي الى اليوم.

فالطريق الى تحفيز النمو يتطلب مروحة واسعة من الخطوات والاجراءات التي يجب القيام بها من أجل استعادة الثقة بالاقتصاد وبقدراته. أولى هذه الخطوات وأهمها: إقرار وتنفيذ اصلاحات جوهرية تساعد على بناء هيكل الثقة المردوم؛ وتوفير البيئة المناسبة للاستثمارات والتي يبقى أهمها إصلاح القطاع المصرفي من أجل استقطاب الاستثمارات التي يحتاج اليها لبنان، كما العملات الاجنبية؛ ودعم القطاع الخاص وهو المحرك الأساس للاقتصاد كونه يوفر فرص عمل جديدة ويؤسس المشاريع ويستقطب الاستثمارات، واعادة هيكلة القطاع العام واضفاء شفافية وحوكمة رشيدة عليه وخصوصاً على القطاعات الحيوية التي يديرها القطاع العام كالكهرباء. بالاضافة الى تدابير من شأنها أن تخفف من حدة الفقر وتكافح النسب المرتفعة للبطالة وتحسن من مستوى معيشة اللبنانيين.

ويضاف عامل خارجي أساس سيمنع من تحقيق معدلات النمو التي يتمنى المسؤولون بلوغها وهو بلوغ التضخم العالمي مستويات قياسية في جميع دول العالم بما يهدد بدخوله في ركود اقتصادي حاد. فصندوق النقد الدولي اضطر الى خفض توقعاته للنمو العالمي بسبب التضخم، في وقت أطلق رؤساء المصارف المركزية في العالم تنبيهاً من أن “خفض التضخم حول العالم سيكون مؤلماً، وقد يحطم النمو”.

كما أنه سيكون من الصعب جداً تحقيق فائض أولي، أي حين تكون الواردات أعلى من النفقات بعد اسثتناء خدمة الدين، في وقت لم تستطع الحكومة اعتماد سعر صرف موحد تبنى على أساسه أرقام الموازنة. وهو حال مشروع موازنة العام 2022 الذي لا يزال عالقاً في مجلس النواب بسبب معضلة تعدد أسعار الصرف وفي وقت لم تدرج الحكومة مقاربتها الاقتصادية من أجل معرفة الحيثيات الاقتصادية والاجتماعية التي بنيت عليها الايرادات أو النفقات.

مع الاشارة الى أن مشروع موازنة العام 2022 احتسب نسبة العجز الى النفقات بـ21 في المئة (علماً أن لا أحد في العالم يقيس العجز نسبة الى الانفاق بل يجب أن يكون نسبة للناتج المحلي الاجمالي). بمعنى أن الطريق الى تحقيق فائض أولي سيكون طويلاً. علماً أن الحكومة تعلن في وضعية الخزينة التي تصدرها عن تحقيق فوائض والتي تتأتى من التراجع الكبير في أرقام خدمة الدين العام نتيجة اعلان لبنان التخلف عن سداد التزاماته.

كل ما تقدم يعني أن الصندوق المنوي الموافقة على انشائه لن يؤدي الى استرجاع أموال المودعين قريباً وإن أرجعها فستكون عبارة عن “فتات”.

شارك المقال