القطاع العام وحيداً بلا وزير العمل

هدى علاء الدين

أنهى وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم مشواره في ملف القطاع العام معلناً تنحيه كلياً بعد قيامه بكل الجهود المرهقة والالتزام فقط بصلاحيات وزارته المتعلقة حصراً بالخاضعين لقانون العمل، معللاً السبب بحملات التجريح والتشكيك الصادرة عن مجموعات وظيفية. بيرم الذي طلب ممن “لديهم استيضاح وظيفي عام مراجعة دولة رئيس الحكومة ومعالي وزير المالية وغيرهم من المعنيين”، اعتذر عن هذه المهمة، رافضاَ “تحمّل كرة النار” و”من أجل إبراء ذمتي أمام الله والناس”.

قرار الوزير جاء في وقت يعاني فيه القطاع العام من حالة تخبط لناحية تأخير الرواتب والمعاشات التقاعدية والمساعدات الاجتماعية مع غياب أي مصدر مالي يموّل هذه المستحقات، وفي وقت تكثر فيه هواجس الموظفين وأبرزها انعدام الثقة بالدولة بعد أن نُفذت معظم الوعود جزئياً، إلى جانب وجود عدد منها لا يُستهان بها غير راضين عنها ويطالبون بالمزيد لا سيما في ما يتعلق ببدل النقل (ربطه بسعر صفيحة البنزين) وسعر صيرفة (ربط الرواتب والتعويضات بسعر المنصة). فهل قرار الوزير هو اعتراف ضمني منه بالوصول إلى حائط مسدود في ملف معالجة قضايا القطاع العام بعدما شعر بعدم قدرته على تلبية مطالبهم ورأى في قراره مخرجاً لذلك، أم أنه دق لجرس الإنذار وهز للعصا قبل أن يعود عن قراره؟

تعليقاً على قرار وزير العمل، رأى أستاذ السياسات العامة والتحديث الاداري في الجامعة اللبنانية برهان الدين الخطيب، في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن ما أعلنه بيرم “هو بمثابة التنحي عن مسؤولية وظيفية كان له فيها دور فاعل عبر احتضان مطالب موظفي القطاع العام التي هي في غالبيتها مطالب محقة في ظل عدم قدرة الموظفين في هذا القطاع على تلبية أبرز متطلبات العمل ألا وهو الحضور إلى مكان العمل”.

وفي ما يتعلق بالبنود التي ذُكرت لناحية دفع مساعدة اجتماعية قدرها راتب مقابل راتب بدءاً من شهر تموز لا تقل عن ٣ ملايين ليرة ولا تزيد عن ٦ ملايين، رفع بدل النقل عن كل يوم حضور إلى ٩٥ ألف أسوة بالقطاع الخاص مقابل حضور الموظف يومين إلى إدارته في الأسبوع، طلب رفع اعتمادات تعاونية موظفي الدولة ٦ أضعاف للاستشفاء و٥ أضعاف لمنحة التعليم، وطلب زيادة مشابهة للضمان الاجتماعي لإنصاف المتعاقدين والخاضعين له، اعتبر الخطيب أن التوافق عليها محل نقاش، متسائلاً عن قدرة الحكومة على تلبية هذه المطالب وما إذا كان الموظفون سيكتفون بما عرضته الدولة عليهم خصوصاً وأن هناك حالة من التنوّع داخل موظفي القطاع العام في المطالب والآراء، في ظل وجود مطالب تتخطى بكثير ما هو معروض عليهم؟

وبالعودة إلى تصريح الوزير الذي عزا فيه توقيف نشاطه إلى التجريح والتشكيك، استغرب الخطيب “أن يصدر مثل هذا الموقف من وزير فكيف إذا كان وزير عمل تخضع صلاحياته لبنود قانون العمل؟ فالوزير لديه مسؤولية عامة وهو عضو في مجلس الوزراء، وفي حال تمّ تكليفه أو قام بمبادرة ما فهذا يقع في نطاق مسؤولياته وليس من ضمن لجنة أو هيئة تُعنى بدراسة ملفات لها علاقة بالشأن العام”.

لا يمكن لوم وزير العمل على ما صرّح به، قال الخطيب، “لكن لا بدّ من تصحيح ما طرحه والمتمثل في أن التشكيك به أدى إلى الاعتذار عن القيام بمهمته”، معتبراً أنه “كان يُفترض به المتابعة والاستمرار بالعمل على هذا الملف وألا يتوقف عند ما أسماه التجريح انطلاقاً من كونه وزيراً تشمل صلاحياته أي حل يتعلّق بالشأن العام عندما يكلف به سواءً كانت من الصلاحيات المحددة بالمرسوم التنظيمي لوزارته أو قانون العمل أو بما يمكن إطلاق عليه مفهوم التضامن الوزاري كونه وزيراً في مجلس الوزراء. صحيح أنه ليست له علاقة مباشرة بالقطاع العام، إلا أنه لا يمكن القول إن ليست من صلاحياته متابعة هذا الموضوع، لأنه في نهاية المطاف هو وزير في حكومة وملزم بإيجاد الحلول”.

وتمنى الخطيب على وزير العمل “الرجوع عما صرّح به والعودة إلى دوره الفاعل لمعالجة هذه المسائل نظراً الى ما يتمتع به من شفافية ومصداقية ومتابعة دوره وترك بصمات إيجابية في هذا الملف خصوصاً وأن هناك شريحة واسعة من الموظفين ستقف إلى جانبه، وألا يتوقف عند الأسباب التي ذكرها والتي يمكن تخطيها نظراً إلى دوره الواسع في مجلس الوزراء، وأن يعمد إلى توسيع مروحة المطالب خصوصاً وأن الموظفين ليسوا موظفي القطاع العام وحسب، وهو ما يبدو واضحاً من خلال التركيز فقط على موظفي الإدارات العامة والتغافل عن موظفي المؤسسات العامة والبلديات فضلاً عن الاهتمام بالمشكلات المتعلقة بالجامعة اللبنانية”.

شارك المقال